وكان مولاه يلعب بِالنَّرْدِ ويخاطر عليه، وكان على بابه نهرٌ جارٍ فلعب يوماً بالنَّرْدِ على أن من قهر صاحبه شرب الماء الذي في البحر كله أو افتدى منه فقمر سيد لقمان فقال له القامر: اشرب ما في النهر كله وإلا فافتديه فقال سَلْنِي الفداء فقال: عينيك أَفْقَأهُما أو جميع ما تملك فقال: أمْهِلْنِي يوماً قال لك ذلك.
فأمسى كئيباً حزيناً فكلمه لقمان فأعرض عنه فأعاد عليه القول فأعرض عنه فقال أخبرني فلعل لك عندي فرجاً فأخبره فقال: إذا قال لك الرجلُ اشرب ما في النهر فقل له أشرب ما بين حفتي النهر أو المد (فإنه) يقول لك ما بين حفتي النهر فقل له احبس عني المد حتى أشرب ما بين الحفتين فإنه لا يستطيع وتكون قد خرجت مما ضمنته له فعرف الرجل أنه قد صدق فطابت نفسه، فلما أصبح الرجل جاء فقال أَوْفِ لي شرطي فقال له نعم أشرب ما بين الضفتين أو المد فقال ما بين الضفتين قال فاحبس عني المد قال كيف أستطيع فخصمه قال فأعتقه مولاه فأكرمه الله تعالى وكان يختلف إلى داودَ - عليه السلام - يقتبس منه فاختلف إليه سنة وداود يتخذ درعاً يسأله ما هذا ولم يخبره داود حتى فرغ منها ولَبِسَها على نفسه فقال عند ذاك: الصمت حكمة.
فصل
لما بين الله تعالى فساد اعتقاد المشركين في عبادة من لا يَخْلٌُ شَيْئاً قوله: ﴿هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ﴾ [الروم: ١١] بين أن المشرك ظالم ضالٌّ ذكر ما يدل على أن ضلاله وظلمهم نقيض الحكمة إن لم يكن هناك نبوة وذكر حكاية لقمان فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة﴾. (والحكمة) عبارة عن توفيق العمل بالعلم، فإن أريد تَحْدِيدُها بما يدخل فيه حكمة الله فنقول: حصول العلم على وفق المعلوم.
قوله: «أَنْ اشْكُرْ» هذه «أن» المفسرة، فسر الله إيتاء الحكمة بقوله: ﴿أَنِ اشكر للَّهِ﴾ ثم بين أن الشكر لا يشفع إلا الشاكر بقوله: ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ وبين أن من كفر لا يتضرر غير الكافر، فقال: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي غير محتاج إلى شكره، وقدم الشكر على الكُفْرَانِ ههنا وقال في الروم: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ