قوله: ﴿يا بني أَقِمِ الصلاة﴾ لما منعه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته أمره بما يلزم من التوحيد وهو الصلاة وهي العبادة لوجه الله مخلصاً وبهذا يعلم أن الصلاة كانت في سائر الملل غير أن هيئاته اختلفت. وقوله: ﴿وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر﴾ أي إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك فإن شغل الأنبياء رتبتهم عن العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم ﴿واصبر على مَآ أَصَابَكَ﴾ عين من الأذى لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى فأمره بالصبر عليه.
فإن قيل: كيف قدم (في) وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر وحين أمر ابنه قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فقال: ﴿لاَ تُشْرِكْ بالله﴾ ثم قال: «أَقِم الصَّلاَةَ» ؟.
فالجواب: أنه كان يعلم أن ابنه معترفٌ بوجودِ الإله فما أمره بهذا المعروف بل نهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف، وأما ابنه فأمره أمراً مطلقاً والمعروف يقدم على المنكر.
قوله: ﴿مِنْ عَزْمِ الأمور﴾ يجوز أن يكون عزم بمعنى مفعول أي من مَغْزُماتِ الأمور أو بمعنى عازم كقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأمر﴾ [محمد: ٢١] وهو مجاز بليغ، وزعم المبرد أن العين تبدل حاء فيقال «حَزْم، وعَزْم» والصحيح أنهما مادات مختلفتان اتفقا في المعنى، والمراد من الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى (فيهما) من الأمور الواجهة التي أمر الله تعالى بها ويعزم عليها لوجوبها.
قوله: «وَلاَ تُصَعِّرْ» قرأ ابن كثير وابنُ عامر وعاصمٌ «تُصَاعِرْ» بألف وتخفيف العين، والباقون بالألف وتشديد العين، والرسم يحتملهما، فإنه رسم بغير ألف، وهما


الصفحة التالية
Icon