يؤذي آلة السمع، وآل السمع على باب القلب فإن الكلامَ ينتقلُ من السمع إلى القلب ولا كذلك اللمس وأيضاً فلأن قبيحَ القول أقبح من قبيح الفعل وحسنه أحسن لأن اللسان تَرْجُمانُ القلب.
قوله: «إِنَّ أَنْكَرَ» قيل: أنكر مبنيٌّ من مبنيٍّ للمفعول نحو: «أشْغَلُ مشنْ ذَاتِ النّْيَيْنِ»، وهو مختلف فيه ووحد «صوت» لأنه يراد به الجنس ولإضافته لجمع، وقيل: يحتمل أن يكون «أنكر» من باب «أطوع له من بنانه» ومعناه أشدّ طاعةً. فإن «أفْعَلَ» لا يجيء (في) «مُفْعَل ولا في» مفْعُول «ولا في باب العيوب إلا ما شَذَّ كقولهم» أَطْوَعُ مِنْ كَذَا «للتفضيل على مُطِيع و» أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْن و «أحْمَقُ (مِنْ فُلانُ» ) من باب العيوب، وعلى هذا فهو من باب «أفعل» كأَشْغَلَ في باب مَفْعُولٍ فيكون للتفضيل على المنكر. أو نقول هو من باب «أَشْغَل» مأخوذ من نُكِرَ الشيءُ فهو مَنْكُورٌ، وهذا أنْكَرُ مِنْه، وعلى هذا فله معنى لطيف وهو أن كل حيوان قد يفهم من صوته بأنه يصيح من ثِقَل أو تعب كالبَعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهقُ بصوتٍ مُنْكَر (فيمكن) أن يقال: هو من نكير كأَحَدَّ من حَدِيدٍ.
فإن قيل: كيف يفهم كونه أنكر الأصوات مع أن حزَّ المِنْشَار بالمبرد ودق النحاس بالحديد أشد صوتاً؟!


الصفحة التالية
Icon