قوله: ﴿وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ نزلت في النضر بن الحَرثِ، وَأُبيِّ بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) وفي صفاته ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا﴾ بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القُبْح، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يَدعوهُم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم وبين كلام الله وكلام العلماء بَوْنٌ عظيمٌ فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهال؟ ثم قال: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير﴾، جواب «لو» محذوف ومجازه: يدعوهم فيتبعونه أي يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، والمعنى أن الله يدعوهم إلى الثواب، والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون (الشيطان) وقد تقدم الكلام على «أَوَ لَوْ» ونَحوهِ.
قوله: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله﴾ قرأ عَليٌّ (والسُّلَمِيُّ) «يُسَلِّمْ» بالتشديد، لما بين حال المشرك والمجادل في الله بين حال المستسلم المسلم لأمر الله وقوله: «وَهُو مُحْسِنٌ» أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوض أمره إليه وهو محسن في عمله ﴿فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى﴾ أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه لأن أوثق العُرَى جانب الله، فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باقٍ لا انقطاع له ﴿وإلى الله عَاقِبَةُ الأمور﴾ يعني فقد استمسك بالعروة التي توصله إلى الله لأن عاقبةَ كُلِّ شيء إليه.
فإن قيل: كيف قال هَهُنَا: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله﴾ (فعداه «بإلى» وقال في البقرة: ﴿بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ﴾ [الآية: ١١٢] ) فعداه باللاّم؟ فقال الزمخشري: أَسْلَمَ لِلّه أي إلى الله يعني أنَّ «أَسْلَمَ» يتعدى تارة «باللام، وتارة» بإلى «قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ﴾ [النساء» : ٧٩] وقال: ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ [المزمل: ١٥] ثم قال: ﴿وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عملوا﴾ (لما بين حال


الصفحة التالية
Icon