قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ﴾ لما ذكر الدلائل من أول السورة إلى آخرها وعظ بالتقوى فقال: ﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي﴾ لا يقضي، ولا يغني ﴿وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾. قال ابن عباس: كل امرىء تهمه نفسه، واعلم أنه تعالى ذكر شخصين في غاية الشفقة والحنان والحُنُوِّ وهو الوالد والولد، فاستدل بالأولى على الأعلى فذكر الوالد والولد جميعاً لأن من الأمور ما يبادر الأب إلى تحمُّلِهِ عن الولد كدَفْع المال، وتَحَمُّل الآلام والولد لا يبادر إلى تحمله عن الوالد (مثل ما يبادر الوالد إلى تحمله عن الولد)، ومنها ما يبادر الولد إليه كالإهانة فإن من يريد (إحضار) والد آخر عند والٍ أو قاضٍ يهُونُ على الابن أن يدفع الإهانة عن والده ويحضر هو بدله وإذا انتهى الأمر إلى الإيلام يهون على الأب أن يدفع الألم عن ابنه وستحمله هو بنفسه. فقوله: ﴿لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ في دفع الآلام ﴿وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ في دفع الإهانة ثم قال: ﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي إن هذا اليوم الذي هذا شأنه هو كائن لأن الله وعد به ووعده حق، وقيل: وعد الله حق بأنه لا يجزي والدٌ عن ولده لأنه وعد بأن لا تَزر وازرةٌ وزر أخرى ووعد الله حق ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا﴾ أي لا تغتروا بالدنيا فإنها زائلة لوقوع اليوم المذكور بالوعد الحق.
﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور﴾ يعني الشيطان يزين في عينه الدنيا ويؤمله يقول: إنك تحصل بها الآخرة أو تلتذ بها ثم تتوب فَتجْتَمِع لك الدنيا والآخرة فنهاهم عن الأمرين.
قوله: «وَلاَ مَوْلُودٌ» دوزوا فيه وجهين:
أحدهما: أنه مبتدأ، وما بعده الخبر.
والثاني: أنه معطوف على «وَالدٌ» وتكون الجملة صفة له. وفيه إشكال وهو أنه


الصفحة التالية
Icon