دون غيره، وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوعُ اختيار يلتف إلى ما يريد دون غيره، وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير، والقوة مستبدة فذكر القوة في العين والفؤاد؛ (لأن للمحل نوع اختيار، فذكر المحل لأن الفعل مسند إلى المختار ألا ترى أنك) تقول: سَمِعَ زَيْدٌ، ورأى عمرو، ولا تقول: «سَمِعَ أذنُ زَيْدٍ» ولا «رأى عَيْنُ عَمْرو» إلا نادراً لأن المختار هو الأصل وغيره آلته، فالسمع أصل دون محله لعدم له لاختيار له والعين كالأصل وقوة الإبصار آلتها والفؤاد كذلك وقوة الفهم آلته فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة، وفي الإبصار والأفئدة الاسم الذي هو مَحِلّ القوة ولأن السمع قوة واحدة لها محل واحد ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطها ويرى في زمان واحد صورتين فأكثر ويُتْقِنُهُمَا.
قوله تعالى: «أَئِذَا ضَلَلْنَا» تقدم خلاف القراء في الاستفهامين، والواو للعطف على ما سبق فإنهم قالوا محمد ليس برسول، والله ليس بواحد وقالوا: الحشر ليس بممكن، فالعامل في «إذا» محل تقديره «نُبْعَثُ أو نَخْرُجُ» لِدَلاَلَةِ: «خَلْقِ جَدِيدٍ» عليه ولا يعمل فيه «خَلْقٍ جَدِيدٍ» ؛ لأن ما بعد «إنَّ» والاستفهام لا يعمل فيما قبلهما، وجواب «إذاً» محذوف إذا جعلتها شرطية. وقرأ العامة «ضَلَلْنَا» بضاد معجمة، ولام مفتوحة بمعنى ذَهَبْنَا، وضِعْنَا من قولهم: ضَلَّ اللبنُ في الضرع وقيل: غُيِّبْنَا، قال النابغة:

٤٠٦٣ - فآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنِ جَلِيَّة وَغُودِرُ بالجُولاَنِ حَزمٌ وَنَائِلُ
والمضارع منهذا: يَضِل بكسر العين وهو كثير، وقرأ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وابنُ


الصفحة التالية
Icon