من السماء والأرض أي من السماء المطر ومن الأرض النبات «لاَ إلَه إلاَّ هُوَ» مستأنف «فَاَنَّى تُؤْفَكُونَ» أي فأنى تُصْرَفُونَ عن هذا الظاهر فكيف تشركون المَنْحُوتَ بمن له الملكوت؟ ثم لما بين الأصل الأول وهو التوحيد ذلك الأصل الثاني وهو الرِّسالة فقال: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ يسلي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم بين من حيث الإجمال أن المكذب في العذاب (و) غير المكذب له الثواب بقوله: ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ ثم بين الأصل الثالث وهو الحشر فقال: ﴿يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ يعني وعد القيامة ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور﴾ أي الشيطان وقرأ العامة بفتح «الغَرُور» وهو صفة مبالغة كالصَّبُور والشَّكُور. وأبو السَّمَّال وأبو حَيْوَة بضمِّها؛ إماغ جمع غارٍ كَقَاعدٍ وقُعُودٍ وإمَّا مصدر كالجُلُوس.
قوله: ﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ لما قال تعالى: ﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور﴾ [فاطر: ٥] يمنع العاقل من الاغترار وقال: ﴿الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّا﴾ ولا تمسعوا قوله. قوله: ﴿فاتخذوه عَدُوّا﴾ أي اعملوا ما يسوؤه وهو العمل الصالح. ثم قال: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ﴾ أي أشياعه ﴿لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير﴾ (و) في الآية أشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فإما أنْ يُعَادِيَه مجازاةً له وإما أن يُرْضيه فلما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوّ﴾ أمرهم بالعداوة وأَشَارَ إلى أن الطريق ليس إلا هذا. وأما الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إنْ أَرْضَيْتمُوهُ واتَّبعتُمُوهُ فهو لا يؤدِّيكم إلا إلى السعير.
واعلم أن من علم أن له عدواً لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يق له ويصير معه على