فاختار مُحَمَّداً ولم يختر غيره كقوله: ﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].
قوله: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا﴾ «الكتاب الذين اصطفينا» مفولا أوْرَثْنَا و «الكتابَ» هو الثاني قدم لشرفه إذ لا لبس وأكثر المفسرين على أن المراد بالكتاب القرآن. وقيل: المراد جنس الكتاب ينتهي إلى الذين اصطفينا من عبادنا وتجويز أن يكون ثم بمعنى الواو وأورثنا كقوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ﴾ [البلد: ١٧] ومعنى أورثنا أعطينا لأن المثراث عطاء. قال مجاهد. وقيل: أورثنا: أخرنا ومنه الميراث لأنه أخر عن الميِّت ومعناه: أخرنا القرآن من الأمم السالفة وأعطيناكموه وأهلناكم له.
قوله: ﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾ يجوز أن يكون للبيان على معنى إنَّ المُصْطَفينَ هم عبادنا وأن يكون للتبعيض أي إنَّ المصطفين بعضُ عبادنا لا كلهم.
وقرأ أبو عِمْرَان الجَوْنِي ويعقوبُ وأبو عمرو - في رواية - سَبَّاق مثال مبالغة.

فصل


قال ابن عباس: يريد بالعباد أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم قسَّمهم ورتَّبهم فقال: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات﴾ وروى أسامةُ بن زيد في هذه الآية قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلهم من هذه الأمة وروى أبو عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عنبادنا» الآية فقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَابِقُنَا سَابِقٌ وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ وَظَالمنا مَغْفُورٌ لَهُ.
وروى أبو الدَّرْداء قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قرأ هذه الآية «ثُمَّ أُوْرَثنا الْكِتَاب....» الآية وقال «أما السابق بالخيرات فيدخُلُ الجنةَ بغير حساب وأما المقتصد فيُحاسَبُ حساباً يسيراً وأما الظالم لنفسه فيجلسُ في المَقام حتى يدخله اللهم ثم يَدْخل الجنة ثم قرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الِّذِي أذْهِبَ عَنَّا الْحَزَنَ إنَّ لَغَفُورٌ شكُورٌ.


الصفحة التالية
Icon