ولا يليق بمن يكون أشرف من الشرفاء أن يكون ظالماً مع أن لفظ الظالم أطلقه الله في كثير من المواضع على الكافر وسمى الشرك ظلماً.
فإن قيل: كيف قال في حق من ذكر في حقه أنه من عباده وأنه مصطفى ظالم مع أن الظالم يطلق على الكافر في كثير من المواضع؟
فالجواب: أن المؤمن عند المعصية يضع نفسه في غير موضعها فهو ظالم لنفسه حال المعصية قال - عليه (الصلاة و) السلام -: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حين يَزْني وَهُوَ مُؤْمِنٌ» الحديث. وقال آدمُ - عليه (الصلاة و) السلام - مع كونه مصطفى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: ٢٣] وأما الكافر فيضع قبله الذي به اعتماد الجسد في غير موضعه فهو ظالم على الإطلاق وأما قلب المؤمن فمطْمئن بالإيمان لا يضعه في غير التفكير في آلاَءِ الله ووجه آخر وهو أن قوله: «منهم» غيرُ راجع إلى الأنبياء المصطفين بل المعنى: إنّ الذي أويحنا إليك هو الحق وأنت المصطفى كما اصطفينا رسلنا وآتيناهم كتباً «ومنهم» أي ومن قومكم «ظالم» كَفَر بك وبما أنزل إليك ومقتصد أمر به ولم يأت بجميع ما أمر به المراد منه المنافق وعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ وحمل هذا القائل الاصطفاء على أن الاصْطِفَاء في الخِلقة وإرسال الرسول إليهم وأنزل الكتاب. والذي عليه عامة أهل العلم أن المراد من جميعهم المُؤْمِنُونَ.

فصل


معنى سابق بالخيرات أي الجنة وإلى رحمة الله بالخيرات أي بالأعمال الصالحة بإذن الله أي بأمر الله وإرادته «ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبيرُ» يعني إيراثهم الكتابَ، ثم أخبر بثوابهم فقال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ يعين الأصناف الثلاثة.
قوله: «جنات عدن» يجوز أن يكون مبتدأ والجملة بعدها الخبر، وأن يكون بدلاً من «الفَضْلُ» قال الزمخشري وابن عيطة إلاَّ أنَّ الزمخشري اعرتض


الصفحة التالية
Icon