فإن قيل: ما معنى ذكر الحليم هَهُنَا؟ قيل: لأن السموات والأرض همت بما همت من عقوبة الكفار فأمسكهما الله - عزّ وجلّ - عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعاجلهم بالعقُوبة.
قوله: ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله﴾ يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قَالُوا لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم وأقسموا بالله وقالوا: «لو أتانا رسول لَنَكُونَنَّ أَهْدَى» ديناً منهم وذلك قبل مبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلما بعث محمد كذبوه فأنزل الله - عزّ وجلّ - «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ» رسول «لَيكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدى الأمم» يعني اليهود والنصارى وقيل: المعنى أهدى مما نحن عليه. وعلى هذا فقوله: ﴿مِنْ إِحْدَى الأمم﴾ للتبيين كما يقال: زَيْدٌ مِنَ المسلمين، ويؤيده قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي صاروا أضل مما كانوا يقولون: نكون أهدى وقيل: المراد أهدى من إحدى الأمم كقولك: زَيْدٌ أَوْلَى مِنْ عَمْرو. وقيل: المراد بإحدى الأمم العموم أي إن إحْدَى الأمم يفرض واعلم أنه لما بين إنكارهم للتوحيد من تكذيبهم للرسول ومبالغتهم فيه يحث كانوا يقسمون على أنهم لا يكذبون الرسل إذا تبين لهم كونهم رسلاً وقالوا إنما نكذب محمداً - عليه (الصلاة و) السلام - لكونه كاذباً ولو تبني لنا كونُه رسولاً لآمنَّا كما قال تعالى:
﴿وَأَقْسَمُواْ
بالله
جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾
[الأنعام: ١٠٩] وهذا مبالغة في التكذيب.
قوله: ﴿لَّيَكُونُنّ﴾ جواب القسم المقدر والكلام فيه كما تقدم وقوله: ﴿لَئِن جَآءَهُم﴾ حكاية لمعنى كلامهم لا للفظه إذ لو كان كذلك لكان التركيب لَئِنْ جَاءَنَا لَنَكُونَنَّ.
قوله: ﴿مِنْ إِحْدَى الأمم﴾ أي من الأمة التي يقال فيها: هي إحدى الأمم تفضيلاً لها كقولهم: هو إحْدَ (ى) الأَحَدَيْنِ قالَ:

٤١٦٥ - حَتَّى اسْتَثَارُوا بِيَ إحْدى الإحَدِ لَيْثاً هِزَبْراً في سِلاَح مُعْتَدِ
قوله: «مَا زَادَهُمْ» جواب «لَمَّا» وفيه دليل على أنها حرف لا ظرف إذا لا يعملُ ما


الصفحة التالية
Icon