عطفت «من» على «هم» وقرأ الأعمش بتخفيفها وهو استفهام ثانٍ فالهمزة للاستفهام أيضاً و «مَنْ» مبتدأ وخبره محذوف أي الذين خلقناهم أشد، فهما جملتان مستلقتان وغلب من يعقل على غيره ولذلك أتى «بمن» قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ أي جيّد حر لاصق يعْلِقُ باليد. واللازبُ والازمُ بمعنى وقد قرئ: لاَزمٌ لأنه يلزم اليد، وقيل: اللازِبُ اللَّزج.
وقال مجاهد والضحاك: مُنْتِن، وأكثر أهل اللغة على أن الباء في اللازب بدل من الميم.

فصل


وجه النظم: أنه قد تقرر أن المقصود الأعظم من القرآن إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيّات والمَعَاد والنُّبُوة وإثبات القَضَاء والقدر فافتتح تعالى هذه السورة بإثبات ما يدل على وُجُود الصانع وعلى علمه وقدرته وحكمته ووحدانيته وهو خالق السموات والأرض وما بينهما وَربّ المشارق، ثم فرع عليها إثبات الحشر والنشر والقيامة وهو أن نم قدر على ما هو أصعب وأشق وجب أن يقدر على ما هو دونه وهو قوله: ﴿فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ﴾ فمن قدر على ما هو أشد وأصعب فبِأن يكونَ قادراً على إعادة الحياة في هذه الأجساد كان أولى. وأيضاً فقوله: «إنا خلقناهم من طين لازب» يعني أن هذه الأجساد قابلة للحياة إذ لو تكن قابلةً للحياة لما صارت حية في المرة الأولى والمراد بقوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ يعني أصلهم وهو آدم - عليه (الصلاة و) السلام - رُوِيَ أنَّ القوم قالوا: كيف يعقل تولد الإنسان لا من أبوين ولا من نطفة؟ فكأنه تعالى قال لهم: إنكم لما أقررتم بحُدوثِ العَالَم واعترفتم بأن السموات والأرض وما


الصفحة التالية
Icon