الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يُورَدُونَ الحميم لأجل الشرب كما تُوردَ الإبلُ إلى الماء ثم يَرِدُونَ إلى الجحيم؛ ويدل عليه قوله: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤] وقرأ ابن مسعود: «ثُمَّ إنَّ مَقِيلَهُمْ لإلَى الجَحِيم» «إنَّهُمْ أَلْفَوْا» وجدوا ﴿فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ قال الفراء: الإهراء الإسراع يقال: هَرَعَ وأَهْرَعَ إذا استحث والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعاً في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم. وقال الكلبي: يعملون مثل عملهم، ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم فقال: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين﴾ من الأمم الخالية.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ﴾ فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسوةٌ بهم حتى يصبرَ كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ ثم قال: ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين﴾ الكافرين أي كان عاقبتهم العذابُ وهذا الخطاب وإن كان ظاهره مع الرسول - عليه (الصلاة و) السلام - إلا أن المقصودَ منه خطابُ الكفار لأنهم سمعوا بالأخبار ما جرة على قوم نوح وعادٍ وثمودَ وغيرهم من أنواع العذاب فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظنّ وخوف يحتمل أن يكون زاجراً لهم عن كفرهم.
قوله: ﴿إِلاَّ عِبَادَ الله﴾ استثناء من قوله: «المنذرين» استثناء منقطعاً لأنه وعيد وهم لم يدخلوا (في) هذا الوعيد وقيل: استثناء من قوله: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين﴾