قوله: ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ﴾ والزمخشري: أنه لمعجز، وأبو حيان: إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ. قال: لأنه نظير: ﴿يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ [يس: ١ - ٣].
وللزمخشري هنا عبارة بشعة جداً قال: فإن قلت: قوله: «ص. والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق» كلام ظاهر متناف غير منتظم فما وجه انتظامه؟.
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحديث والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب ثم أتبعه القسم محذوف الجواب بدلالة التَّحدِّي عليه كأنه قال: والقرآن ذِي الذِّكْر إنه لكلام معجز.
والثاني: أن يكون (صاد) خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال: هذه «ص» يعني هذه السورة التي أعجزت العرب وَالقُرآنِ ذي الذكر كما تقول: «هذا حَاتمٌ واللَّهِ» تريد هو المشهور بالسخاء واللَّهِ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال: أقسمتُ بصاد والقرآنِ ذي الذكر إنه لمعجز. ثم قال: بلِ الذَّينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف (بالحق) وشِقَانِ لله ورسوله (و) جعلتها مقسماً بها وعطفت عليها «والقرآن ذي الذكر» جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله، وأن تريد السورة بعينها ومعناه: أُقْسِمُ بالسُّورةِ الشًّرِيفة والقرآنِ ذِي الذِّكر كما تقول: مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الكَرِيم وبالنِّسْبَة المُبَارَكَةِ، ولا تريد بالنّسبة غيرَ الرجل. وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشقاق والقرآنِ ذي الذكر.
(والمراد بكون القرآن ذي الذكر) أي ذي الشرف، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] وقال: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] كما تقول: «لِفُلاَنٍ ذٍكْرٌ فِي النَّاسِ» ويحتمل أن يكون معناه ذو النبأ أي فيه أخبرا الأولين والآخرين وبيان العلوم الأصلية والفرعية.