فصل
المعنى أن الذين يقولون هذا القول جند هنالِك و «ما» صلة مهزومة مغلوب من الأحزاب أي من جملة الأجناد، عين قريشاً، قال قتادة: أخبر الله تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو بمكة أنه سيزم جندَ المشركين فقال: ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ [القمر: ٤٥] فجاء تأويلها يوم بدر، وهنالك إشارة إلى (يوم) بدر ومصارعهم، وقيل: يوم الخندق. وقال ابن الخطيب: والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح.
وقوله: «من الأحزاب» أي من جملة الأحزاب أي هم من القرون الماضية الذين تَحَزَّبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب فقهروا وأهلكوا.
ثم قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معزياً له: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد﴾ قال ابن عباس ومحمد بن كعب: ذو البِناء المحكم، وقيل: أراد ذو الملك الشديد الثابت، وقال القتيبيّ: تقول العرب: هم في عِزٍّ ثابت الأوتاد بريدون أنه دائم شديد، وقال الضحاك: ذو القوة البطش، وقال عطية: ذو الجنود والجموع الكثيرة، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم وهي رواية عطية العوفي عن ابن عباس يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يثبت إلا بالأوتاد والأطْنَاب كما قال الأفوه الأودي:
٤٢٥٣ - والْبَيْتُ لاَ يُبْتَنَى إلاَّ عَلَى عُمُدٍ | وَلاَ عِمَادَ إذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ |