قوله تعالى عقيبه: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ فكون الريح جارية بأمره قدرة عجيبة وملك دال على صحة نبوته لا يقدر أحد على معارضته.
الثاني: أنه - عليه (الصلاة و) السلام لما مرض ثم عاد إلى الصحة عرف أن خيرات الدنيا صائرة إلى التغيرات فسأل ربه ملكاً لا يمكن أن ينتقل عنّي إلى غيري.
الثالث: أنَّ الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها حالَ عَدَمِ القدرة فكأنه قال: يا إلهي أعطني مملكةً فائقةً على ممالك البشر بالكلية حتى أحْتَرِزَ عنها مع القدرة عليها ليصير (ثوابي) أكمل وأفضلَ.
الرابع: سأل ذلك ليكون علماً على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد عليه مُلْكَهُ وزاده فيه.
قوله: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً﴾ لَيّنة أي رخوة لَيّنة، وهي من الرخاوة والريحُ إذا كانت لينة لا تزعزع (ولا تمتنع عليه إذا كانت طيبة).
فإن قيل: قد قال في آية أخرى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ [الأنبياء: ٨١].
فالجواب: من وجهين:
الأول: لا منافاة بين الآيتين فإن المراد أن تلك الريح كانت في قوة الرِّيح العاصفة إلا أنها لما أمرت بأمره كانت لذيذة طيبة وكانت رُخَاء.
الثاني: أن تلك الريح كانت لينة مرة وعاصفة أخرى فلا منافاة بين الآيتين.
قوله: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ ظرف ل «تَجْرِي» أو لسَخَّرْنَا «و» أَصَابَ «أراد بلغة حِمْيَرَ.
وقيل: بلغة هَجَر وحكى الأصمعي عن العرب أنهم يقولون: أصاب الصواب فأخطأ الجواب.