تجعله صفةً على إضمار القول كما تقدم. قال أَهْلُ المعاني: قراءة الأخوين أولى لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخرياً لقوله تعالى: ﴿فاتخذتموهم سِخْرِيّاً حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ [المؤمنون: ١١٠] فلا يستقيم الاستفهام. وتكون «أم» على هذه القراءة بمعنى «بل» وأجاب الفراء عن هذا بأَن قال: هذا من الاستفهام الذي معاه التعجب والتوبيخ. ومثلُ هذا الاستفهام جائز عن الشيء المعلوم ومن فتح الألف قال هو على اللفظ لا على المعنى ليعادِل «أمْ» في قوله «أَمْ زَاغتْ».
فإن قيل: فما الجملة المعادلة بقوله: «أم زاغت» على القراءة الأولى؟
فالجواب: أنها محذوفة، والتقدير: أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ وقرأ نافعٌ سُخْريًّا - بضم السِّين - والباقون بكسرها فقيل: هما بمعنى، وقيل: الكسر بمعنى الهُزْء، وبالضم التذليل والتسخير وأما نظم الآية على قراءة الإخبار فالتقدير: مَا لَنَا نَرَاهُمْ حَاضِرينَ لأجْلِ أنَّهُمْ لحَقَارَتِهمْ تُركوا لأجل أنهم زاغت عنهم الأبصار، ووقع التعبير عن حقارتهم بقولهم: «أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْريًّا» وأما على قراءة الاستفهام فالتقدير لأجل أنّا قد اتخذناهم سخرياً وما كانوا كذلك فلم يدخلوا لأجل أنه زاغت عنهم الأبصار.

فصل


معنى الآية: ومَا لَنَا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخرياً لم يدخلوا معنا النَّار أم دخلو (ها) فزاغت أي فمالت عنهم أبصارنا فَلَمْ نَرَهُمْ حتى دخلوا.
وقيلي: (أم) هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا، وقال ابن كيسان أم كانوا خيراً منا ونحن لا نعلم فكان أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدُهُّمْ شيئاً.


الصفحة التالية
Icon