المراد بإخلاص الدين الطاعة، ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص﴾ قال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله واعلم أنّ العبادة فعل أو قول أو ترك فعل أو ترك قول يؤتى به لمجرد اعتقاد أن الأمر به عظيم يجب الانقياد له وأما الإخلاص فهو أن أن يكون الداعي إلى الإتيان بذلك الفعل أو الترك مجرد الانقياد والامتثال، واحتج قَتَادَهُ بما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
«لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ حِصْنِي، وَمَنْ دَخَلَ حَصْنِي أَمِنَ عَذَابِي وهذا قول من يقول لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا ينتفع بالطاعة مع الكفر» وقال الأكثرون الآية متناولة لكل ما يخلق الله به من الأوامر والنواهي لأن قوله تعالى «فاعبد الله» عام.
ورُوِيَ أن امرأة الفَرَزْدَق لما قَرُبَتْ وقاتها أوصلت أن يصلي الحسن البصري عليها، فما دفنت قال الحسن للفرزدق: أبا فِرَاس ما الذي أعددت لهذا الأمر؟ قال شهادة أن لا إله إلاّ الله. قال الحسن: هذا العمود فأي الطُّنُب؟ فبين هذا اللفظ الوجيز أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة. قال القاضي: فأما ما يروى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لمعاذ وأبي الدرداء: وإنْ زَنَا وإنْ سَرقَ على رغم أنف أبي الدرداء فإن صح فإنه يجب أن يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يَجُز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن، ولأنه يوجب أن يكون الإنسان مزجوراً عن الزّنا والسَّرقة ويكون إغراء له لفعل القبيح، وذلك ينافي حكمة الله، وهذا يدل على أن اعتقاد فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين، هذا تمام قول القاضي.
قال ابن الخطيب: فقال له: أمّا قولك: إن القول بالمغفرة مخالفٌ للقرآن فليس كذلك بل القرآن يدل عليه قال تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨] وقال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد: ٦] كما يقال: رأيت الأمير على أكله وشربه أي حين كونه آكلاً وشارباً. وقال: ﴿ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً﴾ [الزمر: ٥٣] وأما قوله: إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح فيقال له: إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلاً. وهذا