فصل
لما بيَّن مسألة التوحيد شرع في الرسالة فقال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً﴾ أي الرسالة كافة أي تكُف الناس أنت من الكفر وتمنعهم عن الخروج عن الانقياد لها أو تكف الناس أنت عن الكفر والهاء للمبالغة على ما تقدم. و «لِلنَّاسِ» أي عامةً أحمرهم وأسودهِم «بَشِيراً وَنَذِيراً» أي مبشراً ومنذراً تحثهم بالوعد وتزجرهم بالوعيد «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ» ذلك لآ لخفائه ولكن لغفلتهم قال - عليه (الصلاة و) والسلام -: «كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً».
قوله: ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ يعني يوم القيامة لما ذكر الرسالة بين الحشر.
قوله: «لكم ميعاد» مبتدأ وخبر. والميعاد يجوز فيه أوجه:
أحدهما: أنه مصدر مضاف لظرفه والميعاد يطلق على الوعد والوعيد. وقد تقدم أن الوعد في الخير، الوعيد في الشر غالباً.
الثاني: اسم أقيم مقام المَصْدَرِ والظَاهر الأول، قال أبو عبيدة: الوَعْدُ والوَعِيدُ والميعاد بمعنى.
الثالث: أنه هنا ظرف زمان (قال الزمخشري: الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو هنا ظرف زمان)، والدليل عليه (قراءة) من قرأ: مِيعَادٌ يَوْمٌ يعني برفعهما منونين فأبدل منه «الْيَوْمَ» وأما الإضافة فإضافة تبيين لقولك: سَحْقُ ثَوْبٍ، وبعيرُ سَانِيَةٍ، وقال أبو حيان: ولا يتعين ما قال لاحتمال أن يكون التقدير: لكم ميعاد ميعاد يوم، فلما حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه، قال شهاب الدين والزمخشري لو فعل مثل ذلك لسمع به، وجوَّز الزمخشري في الرفع وجهاً آخر وهو الرفع على