قَالَتَا: أي قالت السماءُ والأرض، وقال ابن عطية: (رحمة الله عليه) أراد الفرقتين المذكورتين، جعل السموات سماءً والأرضين أرضاً كقوله:
٤٣٥٤ - أَلَمْ يحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَوْمِي | وَقَوْمِكَ قَدْ تَبَاينتا انقِطَاعاَ |
وأما البيت فكأنه قال: حَبْلَي قَوْمِي وَقَوْمِكَ، وأنث في تَبَايَنَتَا على المعنى؛ لأنه عنى بالحبال المودة. قوله:» طَائِعِينَ «في مجيئه مجيء جمع المذكورين العقلاء وجهان:
أحدهما: أن المراد يأتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم، فلذلك غلَّب العقلاء على غيرهم، وهو رأي الكسائيِّ.
والثاني: أنه لما عاملهم معاملة العقلاء في الإخبار عنهما، والأمر لهما جمعهما كجمعهم، كقوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجازاً وإذا كانت مجازاً فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟. خلاف.
فصل
ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى أمر السماء والأرض بالإيمان فأطاعُوهُ وهذا ليس بمستبعد كما أن الله تعالى أنطقَ الجبالَ مع داود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فقال: ﴿ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير﴾ [سبأ: ١٠] وأنطق الأيدي والأرجل، فقال: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] وقوله: ﴿وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت: ٢١] ٍ وإذا كان كذلك فكيف يستبعدُ أن يخلقَ الله تعالى في ذات السموات والأرض حياةً وعقلاً ثم يوجه التكليف عليهما؟ ويؤكد هذا وجوه:
الأول: أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره، إلا إن منع منه مانع، فههنا لا مانع.