دالاً على نفسه بذكر مصنوعاته فقال: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ ولو كان هذا من جملة كلام الكفار لقالوا: الذي جعل لنا الأرض مِهَادً، إلا أن قوله في أثناء الكلام: ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ لا يليق إلا بكلامه.
ونظيره من كلام الناس أن يسمع الرجل رجلاً يقول: الذي بنى هذا المسجدَ فلانٌ العَالِمُ فيقول السَّامع لهذا الكلام: الزاهدُ الكريمُ، كأن ذل السامع يقول: أنا أعرفه بصفات حميدةٍ فوق ما تعرفه فأَزِيدُ في وصفه، فيكون النعتان جميعاً من رجلين لرجل واحد.
ومعنى كون الأرض مهاداً واقعة ساكنة، فإنها لو كانت متحركة لما أمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية، وستر عيوب الأحياء والأموات، ولأن المهدَ موضعَ راحة الصبي. فكانت الأرض مهاداً لكثرة ما فيها من الراحات ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾ وذلك أن انتفاع الناس بها إنما يكمل إذا سعوا في أقطار الأرض، فهيأ تعالى تلك السبل ووضع عليهاعلامات، ليصح بها الانتفاع.
ثم قال: ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى مَقَاصِدِكم في أسفاركم، أو لتهتدوا إلى الحق في الدِّينِ.
قوله تعالى: ﴿والذي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾ أي بِقَدْرِ حاجتكم إليه من غير زيادة ولا نُقْصَان، لا كما أنزل على قولم نوع بغير قدر حتى أَغْرَقَهُمْ.
قوله: ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ قرأ العامة مُخَفَّفاً، وعِيسَى وأبو جَعْفَرٍ مُثَقَّلاً، وتقدم الكلام فيه في آل عمران. وتقدم في الأعراف الخلاف في تَخْرُجُونَ وتُخْرَجُونَ أي كما أحيينا هذه البلدة بالمطر، ومعنى الميتة الخالية من النبات، كذلك تخرجون من قبوركم أحياء. والمعنى أن هذا الدليل كما دل على قدرة الله تعالى وحكمته، فكذلك يدل على قدرته على المبعث والقيامة.
ووجه التشبيه أنه جعلهم أحياءَ بعد إماتةٍ كهذه الأرض لتي انْتَشَرَتْ بعدما كانت ميتةً.


الصفحة التالية
Icon