فصل
المشهور أن المراد من هذا الجعل أنهم أثبتوا لله وَلَداً بمعنى حكموا به، كما تقول: جَعَلْتُ زيداً أفضلَ الناس أي وصَفْتُهُ وحكمتم به، وذلك قولهم: المَلاَئكةُ بناتُ الله؛ لأن ولد الرجل جزء منه، قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، «فَاطِمَةُ بضْعَةٌ منِّي».
والمعقول من الولد أن ينفصل من الوالد جزء من أجزائه ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثلك ذلك الأصل، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه.
وقيل: المراد بالجزء إثبات الشركاء لله، وذلك أنهم لما أثبتوا الشركاء فقد زعموا أن كل العباد ليست لله، بل بعضها لله، وبضعها لغير الله، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم، بل جعلوا له من بعضهم جزءاً منهم. قالوا: وهذا القول أولى، لأنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله وحملنا الآية التي بعدها على إنكار الولد لله كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين، ثم قال: «إنَّ الإنسْسَانَ لَكَفُور» يعني الكافر لكفور جحود لنعم الله «مُبين» ظاهر الكفر.
قوله: ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ هذا استفهام توبيخ وإنكار، يقول اتخذ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ البَنَاتِ و «أصْفَاكُمْ» أخلَصكم بالبَنين يقال: أصْفَيْتُ فُلاَناً أي آثَرْتُهُ به إيثَاراً حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون فيه مشارك، كقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين﴾ [الإسراء: ٤٠] فقوله: «وأصْفَاكُمْ» يجوز أن يكون داخلاً في حيز الإنكار معطوفاً على «اتَّخَذَ»، ويجوز أن يكون حالاً، أي أَمِ اتَّخَذَ ف يهذه الحالة. و «قد» مقدرة عن الجُمْهُورِ.
فصل
واعلم أن الله تعالى رَتَّبَ هذه المناظر على أحسن الوجوه، وذلك لأنه بين أن إثبات