قوله:

﴿قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قالوا إِنَّا بِمَآ ﴾ الآية. قرأ ابنُ عام وحفصٌ قَالَ ماضياً مكان «قُلْ» أمراً، أي قال النذير أو الرسول وهو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
والإمر في «قل» يجوز أن يكون للنذير، أو الرسول وهو الظاهر. وقرأ أبو جعفر وشَيْبَةُ: جِئْنَاكُمء بنون المتكلمين «بأَهْدَى» أي بدين أصْوَبَ ﴿مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ وإن جئتكم بأهدى منه فعند هذا حكى الله عنهم أنهم قالوا: إنا لا ننفك عن دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى ﴿إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ وإن كان أهدى مما كنا عليه فعند هذا لم يبق لهم عذر، لهذا قال تعالى: ﴿فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ ةوهذا تهديد للكفار
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ لما بين في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار حجة إلا تقليد الآباء، ثم بين أنه طريق باطل، وإن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد أردفه بهذه الآية، وهو وجه آخر يدل على فساد التقليد من وجهين:
الأول: أنه تعالى حكى عن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أنه تبرأ من دين آبائه بناء على الدليل وذلك أن تقليد الآباء في الأديان إما أن يكون محرماً أو جائزاً. فإن كان محرماً فقد بطل القول بالتقليد، وإن كان جائزاً فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لأنهم لا يشرفو (ن) ولا يتخفرو (ن) إلا بكونهم من أولاده. وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء. وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره فنقول: إنه ترك دين الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء، فوجب تقليده في ترجيح الدليل على التقليد.
الوجه الثاني: أنه تعالى بين أن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لما عدل عن طريقة


الصفحة التالية
Icon