وقال أكثر المفسرين: سَلْ مُؤْمِني أهْلِ الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد، وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن، ويدل عليه قراءة عبد الله وأبي: واسأل الذين أرسلنا إليهم قَبْلَك مِنْ رُسُلِنَا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسوله بعبادة غير الله عَزَّ وَجَلَّ.
وقال عطاء سؤال الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع، فكأن المراد منه: انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبرها بفهمك.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى﴾ لما طعن كفار قريش في نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بكونه فقيراً، عديم المال والجاه بين الله تعالى أن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بعد أن أورد المعجزاتِ القاهرة التي لا يشك في صحتها عاقل، أورد عليه فرعونُ هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال: إنه غَنِيٌّ كثيرُ المالِ والجاهِ، ألا ترون أني حصل لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، وأما موسى فإنه فقير مهين، وليس له بيانٌ ولسان، والرجل الفقير كيف يكون رسولاً من عند الله الملك الكبير؟!.
فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش بمكة، وهي قولهم: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قد أوْرَدَهَا بعينها فرعون على موسى «ثم انتقمنا منهم فأغرقناهم» : فيكو الأمر ف يحق أعدائك هكذا.
فثبت أنَّه (ليس) المقصود من أعادة هذه القصة عينها، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة.
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ قال الزمخشري: فَإِن قلت: كيف جاز أن يجاب لَمَّا بإذا المفجأة؟!.
قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدر، وهو عامل النصب في محلها، كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فأجَأُوا وَقْتَ ضَحِكِهِمْ. قال أبو حيان: ولا نعلم نحوياً ذهب إلى ما ذهب إليه من أن «إذا» الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر، تقديره: فاجأ، بل المذاهب ثلاثة:


الصفحة التالية
Icon