وخامسها: هذه الآية: وليس في لفظها ما يدل على أن ذلك المثللا أي شيء كان والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً:
أشهرها: قال ابن عباس وأكثر المفسرين: نزلت الآية في مجادلة عبد الله بن الزِّبَعْرى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في شأن عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لما نزل قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] كما تقدم في سورة الأنبياء.
والمعنى: ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلاً، وجادل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعبادة النصارى إياه «إِذَا قَوْمُكَ» من قريش «مِنْهُ» أي من هذا المثل «يَصِدُّونَ» أي يرتفع لهم ضجيج فرحاً بسبب مارأوا من سكوت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإنه قد جرت العادة بأن أحد الخصْمَيْن إذا انقطع، أظهر الخصْمُ الثاني الفرحَ والضَّجيجَ.
وقيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إِلَهاً لأنفسهم قالت كفار قريش: إن محمداً يريد أن يجعل نفسه لنا إلهاً كما جعل النصارى المسيح إِلَهاً لأنفسهم فعند هذا قالوا: ﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ فعند ذلك قالوا: إن محمداً يدعونا لعبادة نفسه وآباؤنا زعموا أنه يجبُ عبادة هذه الأصنام وإذا كان لا بد من عبادة أحد هذين فعبادة الأصنام أولى؛ لأن آبائنا وآسلافنا أجمعوا على ذلك، وأما محمد فإنه متهمٌ في أمرنا بعبادته. ثم إنه تعالى لم يقل: إن عبادة المسيح طريق حسن، بل هو كلام باطل، وأن عيسى ليس إلا عبداً أنْعَمْنَا عَلَيِْ فزالت شبهتهم في قولهم: إن محمداً يريد أن يأمرنا بعبادة نفسه.
وقيل: إن الكفار لما رأوا النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبد النصارى عيسى فآلهتنا خير من عيسى فعبدوال الملائكة.
قوله: «يَصُدُّونَ» قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويصدون بضم الصاد والباقون بكسرها، فقيل: هما بمعنى واحد. وهو الصحيح واللفظ، يقال: صَدَّ يَصُدذُ ويَصِدُّ كَعَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ وعَرَشَ يَعْرُشُ وَيَعْرِشُ.
قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) يضْجَرون. وقال سعيد بن المسيب: