بعدما رآها وعاينها شيء يستبعد في العادات والطباع وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق من تُلِيَتْ عليه وسَمِعَها كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستنكاره عن الإيمان بها.
قوله: ﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفةً، وأن يتكون حالاً، والأصل كأنه لم يسمعها، والضمير ضمير الشأن، ومحل الجملة النصب على الحال يَصِيرُ مِثْلَ غَيْرِ السَّامِع ثم قال: ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
قوله: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً﴾ العامة على فتح العين وكسر اللام خفيفة مبنياً للفاعل. وقتادةُ ومطر الوراق عُلِّم مبنياً للمفعول مشدداً.
قوله: (اتَّخَذَهَا) الضمير المؤنث فيه وجهان:
أحدهما: أنه عائد على «آيَاتِنَا» يعني القرآن.
والثاني: أنه يعود على «شَيْءٍ» وإن كان مذكراً، لأنه بمعنى الآية كقول أبي العتاهية:

٤٤٤٠ - نَفْسي بِشَيْءٍ مِن الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ اللهُ وَالْقَائِمُ المَهْدِيُّ يَقْضِيهَا
لأنه أراد «بشَيْء» جاريةً يقال لها: عتبة.

فصل


المعنى ذلك الشيء هُزُؤٌ، إلا أنه تعالى قال: اتَّخَذَها للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحسّ بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات المنزلة على محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خاض في الاستهزاء بجميع الآيات، ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد.
قوله: «أُولَئِكَ» إشارة إلى معنى كل أفَّاكٍ أَثِيم ليدخل فيه جميع الأفاكين فَحُمِلَ أوَّلاً على لفظها فأفرد، ثم على معناها فجمع، كقوله: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣].
قوله: ﴿مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ لما قال: ﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ وصف كيفية ذلك العذاب فقال: من ورائهم جهنم أي أمامهم جهنم لأنهم في الدنيا. قال الزمخشري هي اسم للجهة التي يواجه بها الشخص من خَلْفه أو من قُدَّامِهِ. ثم بين أن ما ملكوه في


الصفحة التالية
Icon