قال الكلبي في تفسير الأثارة: أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي يسند إليهم. وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل: رواية عن الأنبياء. وقال مجاهد: خاصة من علم. قال ابن الخطيب: وههنا قول آخر في تفسير (قوله) تعالى: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور. وعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «كَانَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خًطُّه خَطَّهُ عَلِمَ عِلْمَهُ» فعلى هذا الوجه معنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام. فإ، صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من بَابِ التَّهَكُّم بهم وأقوالهم ودلائلهم.
قوله: «وَمَنْ أَضَلُّ» مبتدأ وخبر. وقوله «مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ» من نكرة موصوفة أو موصولة، وهي مفعولة بقوله: «يَدْعُو».
قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ﴾ يجوز أن يكون الضَّمِيرانِ عائدين على مَنْ في قوله: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ وهم الأصنام ويوقع عليهم من معاملتهم إياها معالمة العقلاء ولأنه أراد جميع مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ الله وغلب العقلاء، ويكون قد راعى معنى «من» فلذلك جمع في قوله: «وهم» بعدما راعى لفظها فأفرد في قوله: «وَيَسْتَجِيبُ» وقيل: يعود على «مَنْ» في قوله: «ومَنْ أَضَلّ» وحُمِلَ أولاً على لفظها، فأفرد في قوله: «يَدْعُو»، وثانياً على معناها فجمع في قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ﴾.

فصل


«ومن أضلّ» استفهام على سبيل الإنكار والمعنى لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام، فيتخذها آلهة ويعبدها، وهي إذا دُعِيَتْ لا تسمع، ولا تجيب لا في لحال ولا في المآل إلى يوم القيامة. وإنما جعل ذلك غاية، لأن يوم القيامة قد قيل: إنه تعالى يحييها، ويخاطب منْ يعبدها، فلذلك جعله الله تعالى حدًّا وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تُعَادِي هَؤُلاَءِ العابدين.
واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يُحْيِي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم. وقيل: المراد عبدة الملائكة وعيسى، فإنهم في يوم القيامة ينظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله: ﴿وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ أي جاحدين كقوله: ﴿تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ [القصص: ٦٣].


الصفحة التالية
Icon