الأول: أن قوله ﴿يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ معناه أن (ضرر) كذبه مقصور عليه ولا يتعداه، وهذا كلام فاسد لوجوه:
أولها: أنا لا نسلم أن بتقدير كونه كاذباً يكون ضرر كذبه مقصوراً عليه لأنه يدعو الناس إلى ذلك الدين الباطل ويغتر به جماعة ويقعون في المذهب الباطل والاعتقاد السيّىء ثم يقع بينهم وبين غيرهم الخصوماتُ الكثيرة فثبت أن بتقدير كونه كاذباً لم يكن ضرر كذبه مقصوراً عليه بل يكون متعدياً إلى الكل، ولهذا أجمع العلماء علىأن الزِّنْدِيقَ الذي يدعو الناس إلى زَنْدَقَتِهِ يجب قتله.
وثانيها: أنه إن كان هذا الكلام حجة فلا كذاب إلا ويمكنه أن يتمسك بهذه الطريقة فيمكن جميع الزنادقة والمُبْطِلَة من أديانهم الباطلة.
وثالثها: أن الكفار الذين انكروا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ يجب أن لا يجوز الإنكار عليهم لأنه يقال إن كان ذلك المنكر كاذباً في ذلك الإنكار فعليه كذبه وإن يك صادقاً فما انتفعتم بصدقه، فثبت أن هذه الطريق صَوَّبَتْ صدقه وما أفضى ثُبُوتُه إلى عدم صدقه كان فاسداً.
الوجه الثاني: كان من الواجب أن يقال: وإنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُمْ؛ لأن الذي يصيب من بعض الذي يَعِدُ دون البعض هو الكفار والمنجمون. أما الرسول الصادق الذي لا يتكلم إلا بالوحي فإنه يجب أن يكون صادقاً في كل ما يقول فكان قوله: ﴿يصيبكم بعض الذي يعدكم﴾ غير لائق بهذا المقام.
والجواب عن الأسئلة الثلاثة بأن تقدير الكلام (أنه) لا حاجة لكم في دفع شره إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه من إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذباً فحينئذ لا يعود ضرره إلا إليه وإن كان صادقاً فما انتفعتم به.
والمقصود من ذلك التقسيم أنه لا حاجة بكم إلى قتله بل يكفيكم أن تُعْرِضُوا عنه وأن تمنعوه من إظهار دينه. وأما الجواب عن الوجه الثاني: وهو قوله كان الأولى أن يقال: «يصيبكم كل الذي يعدكم» فهو من وجوه:
الأول: أن مدار هذا الاستدلال على إظهار الإنصاف وترك اللَّجَاجِ؛ لأَنَّ المقصود منه وإن كان كاذباً كان ضرر كذبه مقصوراً عليه وِإن كان صادقاً فلا أقلَّ من أن يصيبكُم بعض ما يعدكم وإن كان المقصود من الكلام هذا صح، ونظيره قوله ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [سبا: ٢٤].