عمل له فهو هَمَج إعدامه خير من وجوده. ﴿فإذا لقيتم الذين كفروا﴾ بعد ظهور أن لا حرمة لهم بعد إبطال عملهم فاضربوا أعناقهم قال البغوي: فضرب الرقاب نَصْبٌ على الإغراء.
الثاني: إذا تبين تباين الفريقين وتباعد الطريقين بأن أحدهما يتبع الباطل وهو حزب الشيطان والآخر يتبع الحق وهو حِزب الرحمن حق القتال (عند التَّحَزُّب) فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ.
الثالث: أن من الناس من يقول لضعف قلبه وقُصُور نَظَرِه إيلام الحَيوان من الظُّلْم والطُّغْيَان ولا سيما القَتْلُ الذي هو تخريب بنيان. فيقال رَدًّا عليهم: لما كان اعتبار الأعمال باتباع الحق والباطل فلمن يُقْتَلْ في سبيل الله لتعظيم الله وبأمره له (من) الأجر ما للمصلى والصائم فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم ولا تأْخُذْكُمْ بهم رأفة. فإن ذلك اتباع للحق والاعتبار به لا بصورة الفعل.
فصل
والحكمة في اختيار ضرب الرقبة دون غيرها من الأعضاء، لأن المؤمن هنا ليس بدافع، إنما هو مدافع وذلك لأن من يدفع الصائل لا ينبغي أن يقصد أولاً مقتله، بل يُتَدَرَّج ويُضْرَب غير المقتل فإن اندفع فذاك، ولا يرقى إلى درجة الإهلاك، فأخبر تعالى أنه ليس المقصود دفعهم عنكم بل المقصود دفعهم عن وجه الأرض بالكلية، وتطهير الأرض منهم وكيف لا والأرض لكم مسجِد، والمشركون نَجَسٌ، والمسجدُ يُطَهَّرُ من النجاسة؟ فإذاً ينبغي أن يكون قصدكم أولاً إلى قتلهم بخلاف دفع الصَّائل. والرقبة أظهر المقاتل، لأن قطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت، بخلاف سائر المواضع ولا سيما فِي الحرب. وفي قوله «لَقِيتُمْ» ما ينبىء عن مخالفتهم الصَّائل، لأن قوله: «لقيتم» يدل على أن القصد من جانبهم بخلاف قولنا «لقيكم»، ولذلك قال في غير هذا الموضع
﴿واقتلوهم حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ﴾ [النساء: ٩١].
فإن قيل: ما الفائدة في قوله ههنا: ﴿فَضَرْبَ الرقاب﴾ بإضمار الفعل وإظهار