وقوله: «إسْرَارَهُمْ» قرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدراً. والباقون بفتحها جمع سِرّ.
قوله: «فكيف» إما خبر مقدم، أي فيكف عمله بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة.
وإما منصوب بفعل محذوف أي فكيف تصنعون وإما خبر «لكان» مقدرة أي فكيف يكونُون؟ والظرف معمول لذلك المقدر وقرأ الأعمش: «تَوَفَّاهُمْ» دون تاء، فاحتملت وجهين: أن يكون ماضياً كالعامة، وأن يكون مضارعاً حُذفت إحدى تائيه.
قوله: «يَضْرِبُون» حال إما من الفاعل وهو الأظهر أو من المعفول.
فصل
قال ابن الخطيب: الأظهر أن قوله: ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما يعرفون أبناءهم ويؤيده القراءة بكسر الهمزة فإنهم كانوا يُسِرُّونَ نبوة محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وإن قلنا: المراد من الذين ارتدّوا هم المنافقون فكانوا يقولون للجاحدين من الكفار سنطيعكم في بعض الأمور كانوا يرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله: ﴿وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٠] وقال تعالى: ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩]. وقوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ كأنه تعالى قال: هَبْ أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفياً وقت وفاتهم؟ ﴿أو نقول: لما قال الله تعالى: والله يعلم إسرارهم أنهم يختارون القتال لما فيه من الضرب والطعن مع أنه مفيد على الوجهين جميعاً إن غَلبوا في الحال والثواب في المآل، وإن غُلبوا فالشهادة والسعادة، فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم؟﴾.
وعلى هذا فيه لطيفة وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارز قد يهزم الخَصْم ويسلم وجهه وَقَفاهُ وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن ثَبَتَ وصَبَرَ وإن يثبت وانهزم فإنه فاته بالهرب فقد سلم وجهه وقفَاه وإن لم يفته فالضرب على فقاه لا غير ويوم الوفاة لا نُصْرة له ولا مفرّ، فوجهه وظهره مضروب مطعون فيكف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر؟ ّ.