قوله: ﴿إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾، قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) بَعث الله رسوله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا زادهم الصلاة، ثم الزكامة، ثم الصِّيام، ثم الحجّ، ثم الجِهَاد حتى أكمل لهم دينهم وكُلَّمَا أُمِرُوا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم. وقال الضحاك: يقيناً مع يقينهم، وقيل: أنزل السكينة عليهم فَصَبَرُوا ورأوْا عَيْنَ القين ما علموا النصر علم اليقين إيماناً بالغيب فازدادوا إيماناً مُسْتَفَاداً من الغيب مع إيمانهم المستفادِ من الشهادة. وقيل: ازدادوا إيماناً بالفروع مع إيمانهم بالأصول فإنهم آمنوا بأن محمداً رسولُ الله، فإن الله واحدٌ، والحَشْرَ كائنٌ فآمنوا بأن كُلَّ ما يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فهو صدق، وكُلَّ ما يأمر الله تعالى به فهو واجب.
وقيل: ازدادوا إيماناً استدلاليًّا مع إيمانهم الفطري.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله في حق الكفار: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً﴾ [آل عمران: ١٧٨] ولم يقل مع كفرهم وقال في حق المؤمنين: ﴿اإِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ ؟
فالجواب: أن كفر الكافر عِنَادِيّ، وليس في الوجود كُقْرٌ فِطْريّ، ولا في الوجود كفر عِنَادِيّ لينضمَّ إلَى الكفر الفطري بل الكفر ليس إلا عناداً وكذلك الكفر بالفروع لا يقال: انضم إلى الكفر بالأصول، لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعهة والانقياد، ولهذا قال: ﴿اإِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾.
قوله: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض﴾ فهو قادر على أهلاك عَدُوِّهم بجنود، بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائه بأديهيم فيكون لهم الثواب. والمراد بجنود السموات والأرض الملائكة، وقيل: جنود السموات الملائكة وجنود الأرض الجنُّ والحَيَوَانَاتُ. وقيل: الأسباب السماوية.
﴿وَكَانَ الله عَلِيماً﴾ لما قال: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض﴾ وعددهم غير محصور فقال «عَليماً: إشارة إلى أنه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض. وقيل: لما ذكر القلوب بقوله: ﴿أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين﴾ والإيمان الذي من عَمَلِ القُلُوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يَعْلَمُ السِّرََّ وأخفى. وقوله» حكيماً «بعد» عليماً «إشارة إلى أنه يفعل على وَفْق العلم، فإن الحكيم من يعمل شيئاً متقناً وبعلمه.
قوله تعالى: ﴿لِّيُدْخِلَ المؤمنين﴾ في متعلق هذه اللام أربعة أوجه:
أحدهما: محذوف تقديره: يبتلي بتلك الجنود من شاء فيقبل الخبر ممن أهَّلَهُ له والشَّرَّ ممن قضى له به ليدخل ويعذب.


الصفحة التالية
Icon