قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب﴾ قال ابن عباس: ومجاهد: يعني أعراب غِفَار، ومُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ، وأشْجَعَ وَأسْلَمَ، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً اسْتَنفَرَ من حول المدينة من الأعراب، والبَوَدِي ليخرجوا معه حَذَراً من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق معه الهَدْي، ليعلمَ الناسُ أنه لا يريد حَرباً فتثاقل كثيرٌ من الأعارب وتخلفوا واعْتَلُّوا بالشغل لظنهم أنه يهزم، فأنزل الله هذه الآية.
قوله: «شَغَلَتْنَا» حكى الكسائي عن ابن مدح أنه قرأ: شَغَّلَتْنَا بالتشديد ﴿أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ يعني النساء والذَّرَارِي أنْ لم يكن لنا من يخلفنا فيهم ﴿فاستغفر لَنَا﴾ تَخَلٌّفَنَا عنك.
فكذبهم الله في اعتذارهم فقال: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الأمر بالاستغفار فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي أو لا. ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ قرأ الأخوان ضُرًّا بضم الضاد والباقون بفتحها.
فقيل: هما لغتان بمعى كالفَقْر والفُقْر والضَّعف والضُّعْف، وقيل: بالفتح ضِدُّ النفع، وبالضم سُوء الحال فمن فتح قال: لأنه قابله بالنفع، والنفع ضد الضر، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدفع عنهم الضر، ويجعل لهم النفع بالسلامة في أموالهم وأنفسهم فأخبرهم أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر واحد على دفعه ﴿بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي بما تعلنون من إظهار أمر وإضمار غيره.
قوله: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً﴾ أي ظننتم أن العدون يستأصلهم ولا يرجعون. قرأ عبد الله: إلَى أهلهم دون ياء، بل أضاف الأهل مفرداً.