قَوْلُهُ (تَعَالَى) :﴿وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات﴾ يعني يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالبينات، ونقل الزمخشري أنه قبل يوسف بن إبراهيمخ بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفاً وعشرين سنة وقيل: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بَقِيَ حيًّا إلى زمانه، وقيل: هو فرعون آخر. والمقصود من الكل شيء واحد هو أن يوسف حاء قومه بالبينات هي قوله تعالى: ﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار﴾ [يوسف: ٣٩] والأولى أن يُراد بها المعجزات.
واعلم أن مؤمن آل فرعنونه لما قال لهم: ومن يضلل الله فما له من هاد ذكر هذا المثال وهو أن يوسف جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على التكذيب ولم ينتفعوا بتلك الدلائل، وهذا يدل على (أن) من أضله الله فما له من هاد، ثم قال: ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ﴾ قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) : من عبادة الله وحده لا شريك له، فلم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات.
قوله «حَتَّى إذَا» غاية لقوله ﴿فما زلتم في شك﴾، فَلَمَا هَلَك ﴿قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً﴾ أي أقمتم على كفركم، وظننتم أن الله تعالى لا يجدد عليكم الحجة، وقرىء ألن يبعث الله بإدخال همزة التقرير يقرّر بعضهم بعضاً.
قوله: «كَذَلِكَ» أي الأمر كذلك، أو مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف كذاب في عصيانه مرتاب في دينه، فقوله «يضل الله» مستأنف، أو نعت مصدر أي مثل إضلال الله إياكم حين لم تقبلوا من يوسف يضل الله من هو مسرف.
ثم بين تعالى ما لأجله بقُوا في ذلك الشك والإسراف فقال: ﴿الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ أي بغير حجة إما بناء على التقليد، وأما بناء على شبهات خسيسة.
قوله: «الَّذِينَ يُجَادِلُونَ» يجوز فيه عشرة أوجه:
أحدها: أنه بدل من قوله «من هو مسرف» وإنما جمع اعتباراً بمعنى «من».


الصفحة التالية
Icon