مذهب الكوفيين لئَلاّ تُصِيبُوا، وعلى مذهب البصريين كَرَاهَةَ أَنْ تُصِبُوا.
قال: ويحتمل أن يكون المراد فتبينوا واتقوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، فقوله:» بِجَهَالةٍ «في تقدير حال أي تُصيبوهُمْ جَهلينَ، ثم حقق ذلك بقوله: ﴿فتبحوا على ما فعلتم نادمين﴾. وهذا بيان، لأن الجاهل لا بد وأن ينقدم على فِعْلِهِ. وقوله:» تصبحوا «معناه تصيبوا. قال النحاة: أصبح يستعمل على ثلاثة أوجه:
أحدها: بمعنى دخول الإنسان في الصباح.
والثاني: بمعنى كان الأمر وقت الصباح كما يقال: أصبحَ المريضُ اليومَ خَيْراً مما كان يريد كونه في وقت الصبح على حالةِ خير.
الثالث: بمعنى صار كقوله:» أصْبحَ زَيدٌ غَنَياً «أي صار من غير إرادة وقتٍ دونَ وقتٍ.
وهذا هو المراد من الآية. وكذلك» أمسى وأَضْحَى «. قال ابن الخطيب: والصيرورة قد تكون من ابتداء أمرٍ وَتدُومُ وقد تكون في آخر الأمر بمعنى آل الأمر إليه، وقد تكون متسوطة؛ فمثال الأول قوللك: صَارَ الطِّفْل فاهِماً حَدُّهُ. ومثال الثالث قولك: صَار زيدٌ عالماً إذا لم ترد أخذه فيهِ ولا بلوغه ونهايته بل كونه ملتبساً به. وإذا علم هذا فنقول: أصلُ استعمال أصبح فيما يصير الشيء بالغاً في الوصف نهايته وأصل أضحى التوسط، لا يقال: أهل الاستعمال لا يفرقون بين الأمور ويستعملون الألفاظ الثلاثة بمعنى واحداً، لأنَّا نقول: إذا تقارَبتِ المعاني جاز الاستعمال، وجواز الاستعمال لا ينافي الأصل، وكثير من الألفاظ أصله معنى واستعمل استعمالاً شائعاً فيما يشاركه. وإذا علم هذا فقوله تعالى» فَتُصْبِحُوا «أي فتَصِيروا آخذين في الندم ثم تِسْتَدِيمُونَهُ، وكذلك في قوله: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ [آل عمران: ١٠٣] أي أخذتم في الأخوَّة وأنتم فهيا زائدونَ مستمرُّون.
قوله:» نَادِمينَ «الندم هَمٌّ دائم، والنون والدال والميم في تقلبها لا تَنْفَكُّ عن معنى الدوام كقول القائل: أدْمَنَ في الشُّرْب ومُدْمِنٌ أي أقام ومنه: المَدِينَةُ.