بقعوده فكأنه يقول: إنكم لا تشكون في أن الكاشف هو الشيخ وأن الواجب مراجعته، لكنكم لا تعلمون قعوده، فهو قاعد فيجعل المراجعة أظهر من القعود، لأنه يقول خفي عنكم قعوده فتركتم مراجته ولا يخفى عليكم حسنُ مراجعته فيجعل حسن المراجعة أظهر من الأمر الخفي بخلاف ما لو قال: راجعوه، لأنه حينئذ يكون قائلاً بأنكم ما علمتم أن مراجعته هو الطريق. وبين الكلامين يَوْنٌ بعنيد فكذلك قوله تعالى: ﴿واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله﴾ فجعل حُسْنَ مراجعته أظهر من كونه فيهم حيث ترك بيانه وأخذ في بيان كونه فيهم. وهذا من المعاني العزيزة التي توجد في المجازات ولا توجد في الصَّرَائِحِ.
فإن قيل: إذا كان المراد من قوله: «لَوْ يُطِعُكُمْ» بيان كونه غير مطيع لأحد بل هو ممتنع للوحي فلِمَ لَمْ يصرِّحْ به؟.
نقول: بيان نفي الشيء مع بيان ذلك النفي أتمُّ من بيانه من غير دلِيل، والجملة الشرطية بيان للنفي مع بيان دليله وأن قوله: «ليس فيهما آلهة» لو قال قائل: لم قلت إنه ليس فيهما آلهة بحيث أن يذكر الدليل فيقال: لو كان فيهما آلهة إلا الله لَفَسَدَتَا فكذلك ههنا لو قال: لا يطيعكم لقائل قائل: لِمَا لاَ يُطِيعُ؟ فوجب أن يقال: لو أطاعكم لأطاعكم لأجل قلتكم ومصلحة أبصاركم لكن لا مصلحة لكم في لأنكم تَعْنَتُون وتَأْثَمُونَ وهو يشقُّ عليه عَنَتُكم كما قال: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] فإذا أطاعكم لا يفيده شيئاً فلا يطيعكم فهذا نفي الطاعة بالدليل. وبين نفي الشيء بدليل ونفيه من غير دليل فَرقٌ عظيم.
واعلم أن في قوله: ﴿فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر﴾ ليعلم أنه قد يوافقهم ويفعل بمقتضى مصلحتهم تحقيقاً لقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾ [آل عمران: ١٥٩].
فإن قيل: إذا كان المراد بقوله تعالى: ﴿ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان﴾ فلا تتوقفوا فلمَ لم يصرح به؟.
قلنا: لما بيناه من الإشارة إلى ظهور الأمر يعني أنتم تعلمون أن اليقين لا يتوقف فيه، إذا ليس بعده مرتبة حتى يتوقف إلى بلوغ الأَمْر إلى تلك المرتبة، بخلاف الشك، فإنه يتوقف إلى بلوغ الأمر إلى درجة الظنّ، ثم الظن يتوقف إلى اليقين فلما كان عدم التوقف في النفس معلوماً متفقاً علهي لم يقل: فلا تتوقفوا بل قال: حَبَّب إليكم الإيمان أَي بَيَّنَهُ وزَيَّنهُ بالبُرْهَانِ النَّقيّ.
فصل
قال ابن الخطيب: معنى حبب إليكم أن قرَّبَهُ إليكم وأدخله في قلوبكم، ثم زينه