تنبىء عن الدوام والاستمرار عن الدوام والاستمرار فيفهم من أن طائفتين من المؤمنين إنْ تمادى الاقتتال بينهما فأصلحوا، وهذا لأن صيغة المستقبل تنبىء عن ذلك، يقال: فُلاَنٌ يَتَهَدَّدُ وَيَصُومُ.
فصل
قال: «اقْتَتَلُوا» ولم يقل: اقْتَتَلاَ وقال: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» ولم يقل: بَيْنَهُمْ لأن الفتنة قائمة عند الاقتتال، وكل أحد برأسِهِ يكون فاعلا فعللاً فقال: اقْتَتَلُوا وعند الصلح تتفق كلمةُ كُلِّ طائفة وإلا لم يتحقق (الصلح) فقال: «بَيْنَهُمَا» لكون الطائفتين حينئذ كَنَفْسَيْنِ.
قوله: ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى﴾ وأَنبت الإجابة إلى حكم كتاب الله. وقيل: إلى طاعة الرسول وأولي الأمر. وقيل: إلى الصُّلْحِ.
كقوله تعالى: ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] وقيل: إلى التقوى، لأن من خاف الله لا يبقى له عدو إلا الشيطان، لقوله: ﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [فاطر: ٦].
فإن قيل: كيف يصح في هذا الموضع كلمة «إنْ» من أنها تستعمل في الشرط الذي لا يتوقع وقوعه وبغي أحدهما عند الاقتتال متحقق الوقوع فيكون مثل قوله القائد: إنْ طَلَعْتْ الشَّمْسُ؟
فالجواب: أن فيه معنى لطيفاً وهو أن الله تعالى يقول: الاقتتال بين طائفتين لا يكون إلا نادر الوقوع لأن كل طائفة تظن أن الأخرى فئة الكفر والفساد كما يتحقق في الليالي المظلمة، أو يقع لكل طائفة أن القتال جائز باجتهاد
خطأ، فقال تعالى: الاقتتال لا يقع إلى كذا فإن بَانَ لَهُمَا أو لأحدهما الخطأ واستمرّ عليه فهو نادر وعند ذلك يكون قد بغى فقال: «فَإنْ بَغَتْ» يعني بعد انكشاف الأمْر، وهذا يفيد النُّدْرة وقِلَّةَ الوقوع.
فإنْ قيل: لم قال: فإنْ بَغَتْ ولم يقل: فَإن تَبْغِ؟
فالجواب: ما تقدم في قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَتَلُوا «ولم يقل: يَقْتَتلُوا.
قوله:» حَتَّى تَفِيء «العَامة على همزة من فَاء يَفِيءُ أي رَجَعَ كجَاء يَجِيءُ.
والزهري: بياء مفتوحة كمضارع وَفَا وهذا على لغة من يقصر فيقال:» جاَ، يَجِي «