قوله:» وأتَّقُوا اللهَ «عطف على ما تقدم من الأوَامِر والنواهي أي اجتنبوا واتقوا الله ﴿إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ واعلم أنه تعالى ختم الآيتين بذكر التوبة فقال في الأولَى: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظالمون﴾ وقال ههنا: ﴿إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله: ﴿لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾ ذكر النفي الذي هو قريب من النهي وفي الثانية كان الابتداء في قوله:» اجْتَنِبُوا كَثِيراً «فذكر الإثبات الذي هو قريبٌ من الأمْر.
قوله
(تعالى
) :﴿يا
أيها
الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى﴾ الآية هذه الآية مبينة ومقررة لما تقدم لأن السخرية من الغير والعيب إن كان بسبب التفاوت في الدين والإيمان فهو جائز، وكذلك لَمْزُهُ وغَيْبَتُهُ وإن لم يكن بسبب الدين والإيمان فلا يجوز، لأنَّ الناسَ بعُمُومِهِمْ كافِرِهم ومؤمِنِهمْ يشتركون فيما يفتخر به المفتخِر، لأن التكبر والافتخار إن كان بسبب الغنى فالكافر قد يكون غنياً المؤمن فقيراً وبالعكس، وإنْ كان بسبب النَّسب فالكافشر قد يكون نسيباً والمؤمن مولى لِعَبْدٍ أسْود وبالعكس فالناس فيما ليس من الدين والتقوى متساوون أو متقاربون ولا يؤثر شيء من ذلك مع عدم التقوى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ﴾ فقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى﴾ يعنى كآدمَ أي أنكم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بضع لكونهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدةٍ.
فصل
قال ابن عباس (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) نزلت في ثابتِ بن قيس وقوله للرجل الذي لم يتفسح له: ابنَ فلانة فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الذكر فلانة؟ قال ثابت: أنا يا رسول الله فقال: انْظُر في وجوه القوم فَنَظَر، فقال: ما رأيت ثابتُ؟ قال: رأيت أبيضَ وأحْمَرَ وأسود، قال: فإنك لا تَفْضُلُهُم إلا في الدِّين والتقوى، فنزلت هذه الآية ونزل في الذي لم يَتَفَسَّح: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا﴾ [المجادلة: ١١].
وقال مقاتل: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بلالاً حتى علا ظَهْرَ الكَعْبَةِ