قوله: ﴿إِلاَّ قَالُواْ﴾ الجملة القولية في محل نصب على الحال من: ﴿الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ و «مِنْ رَسُولٍ» فاعل: «أتى» كأنه قيل: ما أتى الأولينَ رسولٌ إلاَّ في حال قولهم: هُوَ سَاحِرٌ.
فإن قيل: إن من الأنبياء من قرر دين النبي الذي كان قبله وبقي القوم على ما كانوا عليه كأنبياء بني إسرائيل وكيف وآدم لما أرسل لَمْ يُكَذّبْ؟!.
فالجواب: أنا لا نسلم أن المقرر رسول، بل هو نبي على دين رسولٍ ومن كَذَّب رَسُولَه فهو يكذبه أيضاً ضرورةً.
فإن قيل: قوله: ﴿ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا﴾ يدل على أنهم كلّهم قالوا: ساحر والأمر ليس كذلك لأن ما مِنْ رسول إلا وآمن به قومٌ وهم ما قالوا ذلك!.
فالجواب: أن ذلك ليس بعَامٍّ، فإنه لم يقل: إلا قال كلهم وإنما قال: «إلاَّ قَالوا» ولما كان كثير منهم قابلينَ ذلك قال الله تعالى: إِلاَّ قَالُوا.
فإن قيل: لِمَ لمْ يذكر المصدّقين كما ذكر المُكَذّبين، وقال: إِلاَّ بَعْضُهُمْ صدقتَ وبعضهم كذبتَ؟.
فالجواب: لأن المقصود التسلية وهي على التكذيب، فكأنه تعالى قال: لا تأسَ على تكذيب قومِكَ، فإن أقواماً قبلك كَذّبوا ورسلاً كُذّبُوا.
قوله: «أَتَواصَوا بِه» الاستفهام للتعجب والتوبيخ والضمير في «بِهِ» يعود على القول المدلول عليه بقَالُوا، أي أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول المتضمن كساحر أو مجنون؟. والمعنى: كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم تواطؤوا عليه، وقال بعضهم لبعض: لا تقولوا إلا هذا وأوصى أولهم آخرَهم بالتكذيب. ثم قال: لم يكن ذلك لتواطُؤ قولٍ وإنما كان لمعنى جامع وهو أن الكُلّ أترفوا فاستغنوا فنَسُوا الله وطغوا فكذبوا رُسُلَهُ، قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -) حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك.
قوله «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» فأعرض عنهم، ﴿فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ﴾ لا لوم عليك، قد أديت الرسالة، وما قصرت فيما أمرت به. وهذه تسليةٌ أُخْرَى.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حَزِنَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاشتدّ ذلك على


الصفحة التالية
Icon