وخطابهم مع الله. أما الطور فانتقل إليه موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وخاطب الله تعالى هناك وأما البيت المعمور فانتقل إليه محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وقال لربه: «سَلاَمٌ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، لاَ أُحصي ثناءَ عليك أنت كما أثنيتَ على نَفسك». وأما البحر المسجور فانتقل إليه يونسُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، ونادى في الظلمات: ﴿أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فصارت هذه الأماكن شريفة بهذه الأسباب فأقسم الله تعالى بها.
وأما ذكر الكتاب فلأن الأنبياء كان لهم في هذه (الأماكن) مع الله تعالى كلام والكلام في الكتاب (واقترانه بالطور أدل على ذلك؛ لأن موسى - عليه السلام - كان له مكتوبٌ ينزل عليه وهو بالطُّور).

فصل


أقسم في بعض السور بجموع كقوله: ﴿والذاريات﴾ [الذاريات: ١] ﴿والمرسلات﴾ [المرسلات: ١] ﴿والنازعات﴾ [النازعات: ١] وفي بعضها بأفراد كقوله: «والطُّورِ» ولم يقل: والأَطوار والبِحار.
قال ابن الخطيب: والحكمة فيه: أن في أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحركات والريح الواحدة ليست بثابتة بل هي متبدِّلة بأفرادها مستمرة بأنواعها، والمقصود مِنْهَا لا يحصل إلا بالبَدَل والتَّغَيُّر، فقال: «والذاريات» إشارة إلى النوع المستمر، لا الفرد المعين المستقر، وأما الجبل فهو ثابت غير متغير عادة فالواحد من الجبال دائمٌ زماناً ودهراً، فأقسم في ذلك بالواحد، وكذلك في قوله:
﴿والنجم﴾ [النجم: ١]، ولو قال: «والريح» لما علم المقسَمُ به، وفي الطور عُلِمَ.
قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ نازل وكائن. وقوله: «مِنْ دَافِعٍ» يجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً، وأن تكون صفة لواقع أي واقع غير مدفوع. قال أبو البقاء. و «مِنْ دَافِعٍ» يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ و «مِنْ» مزيدة على الوجهين.


الصفحة التالية
Icon