لا يكذب لا يعذب فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يُكَذِّبون.
فالجواب: أن ذلك العذاب لا يقع إلا على أهل الكبائر، وإنما هذا كقوله: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا﴾ [الملك: ٨ و٩] فالمؤمن لا يُلْقَى فيها إلقاء بهوان، وإنما يُدْخَلُ فيها للتطهير إدْخَالاً مع نوع إكرامٍ، والويل إنما هو للمكَذِّبِينَ.
والويل ينبئ عن الشدة، لأن تركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن وُقُوع شدةٍ، ومنه لَوَى إذا دافع ولَوَاه يلويه إِذا فَتَلَهُ فَتْلاً قوياً.
والوَلِيُّ فيه القوة على المُولَى عَلَيْهِ. وقد تقدم وجه جواز التنكير في قوله: «وَيْلٌ» مع كونه مبتدأ؛ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء في تفسير قوله تعالى: ﴿قَالَ سَلاَمٌ﴾ [الذاريات: ٢٥].
قوله: ﴿الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ الخَوْضُ: هو الاندفاع في الأباطيل، قال تعالى: ﴿وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا﴾ [التوبة: ٦٩] وقال تعالى: ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين﴾ [المدثر: ٤٥].
وتنكير الخوض يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون للتكثير أي في خوضٍ عظيم.
الثاني: أن يكون التنوين عوضاً عن المضاف إليه، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [هود: ١١١] والأصل في خوضهم المعْرُوف منهم. وقوله: يعلبون أي غافلون لاهون.
واعلم أن قوله تعالى: ﴿الذين هُمْ فِي خَوْضٍ﴾ ليس وصفاً للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كقولك: «الشيطانُ الرجيمُ» ولا تُرِيدُ فَصْله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك: أَكْرِمِ الرَّجُلَ العَالِمَ فالوصف بالرجيم للذم له لا للتعريف.
وتقول في المدح: الله الذي خلق، والله العظيم للمدح لا للتمييز، ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم، فإن الله واحد لا غير.
قوله: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً «ليُقَالُ» المقدرة مع قوله: ﴿هذه النار﴾ [الطور: ١٤] يوم يدعون المكذبين؛ لأن معناه يوم يقع العذابُ ذلك اليوم وهو يوم يُدَعُّون فيه إِلى النار.


الصفحة التالية
Icon