أنه لم يبق لهم حجةٌ في الإعراض فهم يريدون نُزُول العذاب والله أرسل إليهم رسولاً لا يسألهم أجراً ويَهْدِيهم إلى ما لاَ عِلْمِ لَهم به ولا كتابَ عندهم وهم معرضون فهم يريدون إذَنْ أن يهلكهم ويكيدهم، لأن الاستدراجَ كيدٌ، والإملاء لازدياد الإثْم كذلك ولا يقال: هذا فاسد، لأن الكيد والإساءة لا تطلق على فعل الله تعالى إلا بطريق المقابلة وكذلك المكر فلا يقال: أسَاءَ اللَّهُ إلى الكافر ولا اعتدى الله إلا إذا ذكر أولاً منهم شيء من ذلك، ثم يقال بعده مثله لفظاً في حق الله تعالى، كقوله تعالى: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله﴾ [آل عمران: ٥٤] ﴿يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً﴾ [الطارق: ١٥ - ١٦] ؛ لأنا نقول: الكيد (ما) يسُوءُ مَنْ نَزَلَ به، وإن حسن ممن وجد منه كقول إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ﴿لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] من غير مقابلة. ونكر الكيد، إشارةً إلى وقوع العذاب من حيث لا يشعرُون، فكأنه قال: يأتيهم بَغْتة ولا يكون لهم علم بِعظمِهِ.
قوله: «فَالَّذِينَ كَفَرُوا» هذا من وقوع الظاهر موقع المضمر تنبيهاً على اتِّصافهم بهذه الصفة القبيحة، والأصل أَم يُريدُونَ كَيْداً فَهُم المكيدون، أو حكم على جنس هم نوع منه فيندرجون اندراجاً أوَّلِيًّا لتوغلهم في هذه الصفة.
قوله: ﴿أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله﴾ يرزقهم وينصرهم ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
قال الخليل: ما في هذه السورة من ذكر «أَمْ» كلمةُ استفهام وليس بعطف.

فصل


قَالَ أَهْلُ اللُّغَة: «سُبْحَانَ اللَّهِ» اسم علم على التسبيح، و «مَا» في قوله «عَمَّا يُشْرِكُونَ» يحتمل أن تكون مصدرية أي عن إشراكهم، ويحتمل أن تكون خبريةً أي عن الذين يشركون. وعلى هذا يحتمل أن يكون عن الولد لأنهم كانوا يقولون: لَهُ البَنَاتُ فقال: «سُبْحَانَ اللَّهِ عن البنات والبنين». ويحتمل أن يكون عن مثل الآلهة أي سبحانه الله عن مِثْل ما يعبدونه.
قوله تعالى: ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً﴾ «إنْ» هذه شرطية على بابها. وقيل: هي بمعنى «لو». وليس بِشَيءٍ.


الصفحة التالية
Icon