كما تجزم «لَمْ». قال مكي، وهذا خطأ، لأن «لم» تنفي الماضي وترُدُّ المستقبل ماضياً، و «ما» تنفي الحال، فلا يجوز أن يقع إحداهما موقع الأخرى لاختلاف مَعْنَيَيْهِمَا.
فصل
المعنى أن القرآن حكمة بالغة تامة قد بلغت الغاية. وقوله: ﴿فَمَا تُغْنِي النذر﴾ إن كانت «ما» نافية فالمعنى أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الإيمان، وإنما أرسلوا مبلغين كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ﴾ [الشورى: ٤٨] ويؤيد هذا قوله: «فَتَولَّ عَنْهُمْ» وإن كانت استفهامية فالمعنى: وأي شيءٍ تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم؟ كقوله: ﴿وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١] أي إنك أتيت بما عليك من الدعوى فكذبوا بها وأنذرتهم بما جرى على المكذبين، فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر؟ فتول عنهم.
قوله: «فتول عنهم» أي أعرض عنهم. قال أكثر المفسرين: نسختها آية السيف. قال ابن الخطيب إن قول المفسرين في قوله: «فَتَوَلَّ» منسوخ ليس كذلك، بل المراد منه لا تُنَاظِرْهُمْ بالكلام.
قوله: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الداع﴾ «يوم» منصوب إما ب «اذكر» مضمرةً وهو أقربها. وإليه ذهب الرُّمَّانيُّ، والزمخشري وإما ب «يَخْرُجُونَ» بعده. وإليه ذهب الزمخشري أيضاً، وإما بقوله: «فَمَا تُغْنِ» ويكون قوله: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» اعتراضاً، وإما منصوباً بقوله: «يَقُولُ الْكَافِرُونَ». وفيه بعدٌ لبعده عنه.
وقيل: تم الكلام عند قوله: ﴿فَمَا تُغْنِ النذر﴾ [القمر: ٥] ويبتدأ بقوله: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الداع﴾ فيكون منصوباً بقوله: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ». وهو ضعيف جداً؛ لأن المعنى ليس أمره بالتولية عنهم في يوم النفخ في الصور، وإمَّا منصوب بحذف الخافض أي فتول عنهم إلى يوم. قاله الحسين وضعف من حيثُ اللَّفْظ ومن حيث المعنى أما اللفظ، فلأن إسقاط الخافض غير