قالوا: أَنَتَّبِعُ بَشَراً أمكن أن يقال: نعم اتَّبِعُوهُ، وماذا يمنعكم من اتباعه؟ فإذا قدمنا حاله وقالوا: هو من نوعنا بشر من صِفَتِنَا رجل ليس غريباً نعتقد فيه أنه يَعْلَمُ ما لا نَعْلَمُ أو يَقْدِرُ على ما لا نَقْدِرُ وهو واحد وليس له جندٌ ولا حَشَمٌ ولا خَدَمٌ ولا خيلٌ وهو وحيد ونحن جماعة فكيف نتبعه؟! فيكونون قد قدموا الموجب لجواز الامتناع عن اتباعه. وفي الآية إشاراتٌ إلى ذلك، منها تنكيره حيث قالوا: أَبَشَراً، ولم يقولوا: أَرَجُلاً، ومنها: قولهم: مِنَّا وهو يحتمل أمرين:
أحدهما: من صنفنا ليس غريباً.
والثاني: «مِنَّا» أي تَبَعنَا؛ لأن «مِنْ» للتبعيض والبعض يتبع الكل، لا الكل يتبع البعض.
ومنها قولهم: «واحداً»، وهو يحتمل أمرين أيضاً:
أحدهما: وحيداً إشارةً إلى ضعفه.
وثانيهما: واحداً أي هو من آحاد النَّاس أي هو ممَّنْ ليس بمشهور بحَسَبٍ ولا نَسَبٍ، إذا حَدَّث لا يُعْرَفُ ولا يمكن أن يقال عنه: قَال فلانٌ، بل يقال: قال واحدٌ، وذلك غاية الخُمول، أو لأن الأرذَلَ لا يَنْضَمُّ إليه أحد.
قوله: ﴿إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ﴾ خَطَأٍ، وذهاب عن الصواب «وَسُعُرٍ» (قال ابن عباس: عذاب. وقال الحسن: شدة العذاب. وقال قتادةً: عَنَاء). «وسُعُر» يجوز أن يكون مفرداً أي جُنُون يقال: نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ أي كالمجنونة في سيرها، قال الشاعر (- رحمةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -) :

٤٦٠٠ - كَأَنَّ بِهَا سُعْراً إذَا السُّعْرُ هَزَّهَا ذَمِيلٌ وَإِرْخَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ
وأن يكون جمع «سَعِيرٍ» وهو النار. قاله سفيان بن عُيَيْنة. والاحتمالان منقولان عنه.


الصفحة التالية
Icon