وروي أنهم صارت أعينهم مع وجودهم كالصفحة الواحدة.
قوله: ﴿فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ الخطاب لهم، أي قلنا على لسان الملائكة فذوقوا، وهو خطاب كل مكذب، أي إنْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ فَذُوقُوا.
قال القرطبي: والمراد من هذا الأمر الخبر أي: فَأَذَقْتُهُمْ عَذَابي الذي أنذرَهُمْ به لوطٌ.
فإن قيل: إذا كان المراد بقوله: «عذابي» هو العذاب العاجل، وبقوله: «ونُذُر» هو العذاب الآجل فهما لم يكونا في زَمَانٍ واحد فكيف قال: ذوقوا؟
فالجواب: أن العذاب الآجل أوله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد وهو كقوله تعالى: ﴿أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾ [نوح: ٢٥].
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً﴾ انصرف «بكرةً» ؛ لأنه نكرة ولو قصد به وقت بعينه امتنع الصرف للتأنيث والتعريف. وهذا كما تقدم في «غَدْوَةٍ».
ومنعها زيدُ بن عليٍّ الصرف، ذهب بها إلى وقتٍ بعينه.
قال صاحب المختصر: انتصب بُكْرَة على الظرف أي بكرة من البكر كقوله: ﴿أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ [الإسراء: ١]. قال الزمخشري: والتنكير يدل على أنه كان في بعض الليل وتمسك بقراءة من قرأ: مِنَ اللِّيْلِ. قال ابن الخطيب: وهو غير ظاهر، والأظهر أن يقال: بأن الوقت المبهم يذكر لبيان أن تَعْيِينَ الوقت ليس بمقصود للمتكلم، كقوله: خَرَجْنَا فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ مَعَ أن الخروج لا بدّ وأن يكون في بعضِ الأوقات، وكذلك قوله: «صَبّحَهُمْ بُكْرَةً» أي بكرة من البكر، و ﴿أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ [الإسراء: ١] أي ليلاً من الليالي.
ومعنى صبحهم قال لهم: عِمُوا صباحاً، كقوله: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١]. والمراد بقوله: بكرة أول أزمنة الصبح. أو انتصب «بُكْرَةً» على المصدر كقولك: ضَرَبْتُهُ سَوْطاً؛ لأن الضرب يكون بالسَّوْطِ وغيره، وكذلك الصبح يكون بكرةً وبَعْدَها.


الصفحة التالية
Icon