(قيل: لما نزلت هذه الآية شقَّ على أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) فنزلت ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنِّي لأرجُو أن تكُونُوا رُبْعَ أهْلِ الجنَّةِ، بَلْ نِصْف أهلِ الجنَّة، وتُقاسِمُونهُم في النِّصْفِ الثانِي» رواه أبو هريرة ذكره الماوردي وغيره، ومعناه ثابت في «صحيح مسلم»، من حديث عبد الله بن مسعود، وكأنه أراد أنها منسوخة.
قال ابن الخطيب: وهذا في غاية الضعف من وجوه:
أحدها: أن عدد أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان في ذلك الزمان، بل إلى آخر الزمان بالنسبة إلى ما مضى في غاية القلة، فالمراد بالأولين: الأنبياء وكبار أصحابهم، وهم إذا جمعوا أكثر من السَّابقين من هذه الأمة.
الثاني: أن هذا خبر، والخبر لا ينسخ.
الثالث: أن هذه الآية في السَّابقين، والتي بعدها في أصحاب اليمين.
الرابع: أنه إذا جعل قليل منهم مع الأنبياء والرسل المتقدمين كانوا في درجة واحدة، وذلك يوجب الفرح؛ لأنه إنعام عظيم، ولعلّ الإشارة إليه بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «عُلَمَاءُ أمَّتِي كأنْبِيَاءِ بَنِي إسْرائِيْلَ».
قال القرطبي: «والأشبه أنها محكمة؛ لأنها خبر، والخبر لا ينسخ؛ لأن ذلك في جماعتين مختلفتين».
قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا، فلذلك قال: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾، وقال في أصحاب اليمين، وهم سوى السابقين: ﴿ثلّة من الأولين وثلّة من الآخرين﴾.
ولذلك [قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «إنِّي لأرجُو أن تكُونَ أمَّتِي شطْرَ أهْلِ الجنَّةِ»، ثم تلا: ﴿ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين﴾ ].