هذا استبعاد منهم للبعث وتكذيب له، وقد تقدّم الكلام على ذلك في «والصَّافات»، وتقدم الكلام على الاستفهامين في سورة «الرَّعْد».
فإن قيل: كيف أتى ب «اللام» المؤكدة في قوله تعالى: ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾، مع أن المراد هو النفي، وفي النفي لا تدخل «اللام» في خبر «إنَّ»، تقول: «إنَّ زيداً ليجيء، وإنَّ زيداً لا يجيء» فلا تذكر «اللام»، ومرادهم بالاستفهام: الإنكار، بمعنى إنا لا نبعث؟.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: عند التصريح بالنفي وصيغته، يجب التصريح بالنفي وصيغته.
والثاني: أنهم أرادوا تكذيب من يخبر عن البعث، فذكروا أن المخبر عنه يبالغ في الإخبار، ونحن ننكر مبالغته وتأكيده، فحكوا كلام المخبر على طريقة الاستفهام والإنكار، ثم إنهم أشاروا في الإنكار إلى أمور اعتقدوها مقررة لصحة إنكارهم، فقالوا: «أئِذَا مِتْنَا» ثم لم يقتصروا عليه، بل قالوا بعده: ﴿وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً﴾ أي: وطال عهدنا بعد كوننا أمواتاً حتى صارت اللحوم تراباً، والعظامُ رفاتاً ثم زادوا وقالوا: مع هذا يقال لنا: إنكم لمبعوثون بطريق التأكيد من ثلاثة أوجه:
أحدها: استعمال «إنَّ».
ثانيها: إثبات «اللام» في خبرها.
ثالثها: ترك صيغة الاستقبال، والإتيان بالمفعول كأنه كائن، ثم زادوا وقالوا: ﴿أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ فقال الله تعالى لهم: «قُلْ» يا محمد ﴿إِنَّ الأولين﴾ من آبائكم، و ﴿والآخرين﴾ منكم ﴿لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ يعني: يوم القيامة.
ومعنى الكلام: القسم ودخول «اللام» في قوله تعالى: ﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ هو دليل القسم في المعنى، أي: إنكم لمجمُوعون قسماً حقًّا، بخلاف قسمكم الباطل.
قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون﴾ عن الهدى ﴿المكذبون﴾ بالبعث ﴿لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾، وهو شجر كريه المَنْظَر كريه الطعم، وهو المذكور في سورة «والصَّافَّات».
وهذا الخطاب عامّ، وقيل: لأهل «مكة»، وهو من تمام كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقدم هنا الضَّالين على المكذبين في آخر السورة، قال: ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين﴾ [الواقعة: ٩٢]، فقدم المكذبين على الضَّالين؛ لأنهم هنا أصرُّوا على الحنث العظيم فضلوا عن السبيل، ثم كذبوا الرسول، وقالوا: «أئذا مِتْنَا».
وفي آخر السورة قدم المكذبين بالحشر على الضالين عن طريق الخلاص، أو


الصفحة التالية
Icon