أي: لا يطلع عليه، أو لا يمسّ لوحه، لا بد من هذين التجوزين؛ لأن نسبة المسّ إلى المعاني حقيقة متعذّر.
ويؤيد كون هذه نفياً قراءة عبد الله: «ما يمسّه» ب «ما» النافية.
الوجه الثاني: أنها ناهية، والفعل بعدها مجزوم؛ لأنه لو فكّ عن الإدغام لظهر ذلك فيه، كقوله تعالى: ﴿لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء﴾ [آل عمران: ١٧٤] ولكنه أدغم، ولما أدغم حرك آخره بالضم لأجل هاء ضمير المذكر الغائب.
ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا إلا الضم.
وفي الحديث: «إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عليك إلاَّ أنَّنَا حرمٌ».
وإن كان القياس يقتضي جواز فتحه تخفيفاً، وبهذا يظهر فساد من ردّ بأن هذا لو كان نهياً لكان يقال: «لا يمسّه» بالفتح؛ لأنه خفي عليه جواز ضم ما قبل «الهاء» في هذا النحو، لا سيما على رأي سيبويه، فإنه لا يجيز غيره.
وقد ضعف ابن عطيَّة كونها نهياً بأنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك: «تَنْزِيل» صفة، فإذا جعلناه نهياً كان أجنبيًّا معترضاً بين الصِّفات، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره، وفي حرف ابن مسعود: «ما يمسه». انتهى.
وليس فيما ذكره ما يقتضي تضعيف هذا القول؛ لأنا لا نسلّم أن «تنزيل» صفة، بل هو خبر مبتدأ محذوف، أي: «هو تنزيل» فلا يلزم ما ذكره من الاعتراض.
ولئن سلّمنا أنه صفة ف «لا يمسّه» صفة أيضاً، فإن اعترض علينا بأنه طلب فيجاب بأنه على إضمار القول، أي: نقول فيه: «لا يمسّه» كما قالوا ذلك في قوله: ﴿فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ﴾ [الأنفال: ٢٥] على أن «لا تُصِيبن» نهي.
وهو كقوله: [مشطور الرجز]
٤٧١١ - جَاءُوا بمَذْقٍ هَلْ رأيْت الذِّئْبَ قَط؟ | وقد تقدم تحقيقه في «الأنفال». |
وقرأ العامة: «المُطَهَّرُونَ» بتخفيف الطَّاء، وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول.