فأما قوله تعالى: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾ فلا يمنع من أنه - تعالى - علم ضيق صدور كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل لو دام الوجوب. فقال هذا القول.
وأما قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ﴾ فليس في الآية أنه تاب عليهم من هذا التقصير، بل يحتمل أنكم إن كنتم تائبين راجعين إلى الله تعالى، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، فقد [كفاكم] هذا التَّكليف.
قوله تعالى ﴿والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
روي عن أبي عمرو: ﴿خبير بِمَا يعْملُونَ﴾ بالياء من تحت، والمشهور عنه كالجماعة بتاء الخطاب.
والمعنى: يحيط بأعمالكم ونيَّاتكم.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم﴾.
قال قتادة: هم المنافقون تولّوا اليهود.
وقال السدي ومقاتل: هم اليهود. ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ﴾ يعني: المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاء، ولا من اليهود والكافرين، كما قال جل ذكره: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء﴾ [النساء: ١٤٣].
﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
قال السدي ومقاتل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وعبد الله بن نبتل المنافقين، كان أحدهما يجالس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في حُجْرة من حُجَره، إذ قال:» يَدْخُلُ الآنَ عَليْكُم رجُلٌ قلبهُ قَلْبُ جبَّارٍ، وينْظرُ بِعَيْني شَيْطانٍ «، فدخل عبد الله بن نبتل، وكان أزرق، أسمر قصيراً، خفيف اللحية، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» علاَمَ تَشْتُمنِي أنْتَ وأصْحَابُكَ «؟ فحلف بالله ما فعل، وجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما شتموه، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية»
فقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم كذبة.


الصفحة التالية
Icon