شقينا إذاً، فوالله لننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة، فنزلت الآية.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً﴾ أي: لهم عذاب مهين يوم يبعثهم الله، فيحلفون له كما يحلفون لكم اليوم.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: يحلفون لله - تعالى - يوم القيامة كذباً كما حلفوا لأوليائه في الدنيا، وهو قولهم: ﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ويحسبون أنهم على شيء، بإنكارهم وحلفهم.
قال ابن زيد: ظنوا أنه ينفعهم في الآخرة.
وقيل: يحسبون في الدنيا أنهم على شيء؛ لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار، والأول أظهر.
والمعنى: أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنّوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨].
قال القاضي والجُبَّائي: إن أهل الآخرة لا يكذبون، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة: إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا، وعلى هذا الوجه لا يكون الحلف كذباً، وقوله تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون﴾ أي: في الدنيا.
قال ابن الخطيب: «وتفسير هذه الآية على هذا الوجه يقتضي ركاكة عظيمة في النَّظْم».
روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ القِيَامَةِ: أيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ تعالى؟ فَتقُومُ القدريَّةُ مُسْودَّةً وجُوهُهُمْ، مُزْرَقَّةً أعْيُنُهُمْ، مَائِلٌ شِدْقُهُمْ يَسِيْلُ لُعَابهُم، فيقُولُونَ: واللَّهِ ما عَبَدْنَا مِنْ دُونِكَ شَمْساً ولا قَمَراً ولا صَنَماً، ولا اتَّخَذْنَا مِنْ دُونِكَ إلهاً».
وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: صدقوا ولله، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون، ثم تلا: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون﴾، هم والله القدرية ثلاثاً.
قوله تعالى: ﴿استحوذ﴾. جاء به على الأصل، وهو فصيح استعمالاً، وإن شذ قياساً.


الصفحة التالية
Icon