وبنو النضير لم يتركوها خراباً، وإنما خرَّبوها بالهدم، ويؤيده قوله تعالى: ﴿بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين﴾.
فصل في تفسير الآية
قال قتادة والضحاك رحمهما الله تعالى: كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم.
وقال مقاتل: إن المنافقين أرسلوا إليهم ألا يخرجوا وتدرّبوا على الأزِقَّة، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب.
وقيل: إن المسلمين كانوا إذا ظهروا على دربٍ من دروبهم خربوه، وكان اليهود يتأخرون إلى ما وراء بيوتهم وينقِّبُونها من وراء أدبارهم.
وقيل: إن المسلمين كانوا يخربون ظواهر البلد، واليهود لما أيقنُوا بالجلاء، فكانوا ينظرون إلى الخشبةِ في منازلهم مما يستحسنونه، أو الباب فيهدمون بيوتهم، وينزعونها، ويحملونها على الإبل.
فإن قيل: ما معنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين؟.
قلت: لما عرضوهم لذلك، وكانوا السبب فيه، فكأنهم أمروهم به وكلفوه إياهم.
وقال الزهري: «يخربون بيوتهم» بنقض المواعدة، «وأيدي المؤمنين» بالمقاتلة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: «بأيديهم» في تركهم لها، «وأيدي المؤمنين» في إجلائهم عنها.
قوله تعالى: ﴿فاعتبروا ياأولي الأبصار﴾.
والاعتبار: مأخوذ هنا من العبور والمجاوزة من شيء إلى شيء، وبهذا سميت العبرةُ عبرةً؛ لأنها تنتقل من العين إلى الخدِّ، وسمي علم التعبير؛ لأن صاحبه ينتقل من المتخيّل إلى المعقول، وسميت الألفاظ عبارات؛ لأنها تنقل المعاني عن لسان القائل إلى عقلِ المستمع.
ويقال: السعيد من اعتبر بغيره؛ لأنه ينتقل عقله من حال ذلك الغير إلى حال نفسه.