الله - تعالى - يقول: ﴿هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ﴾ [الحشر: ٢]- إلى قوله - «الفاسقين» فأخبر عن بني النضير وبني قينقاع، ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ﴾ [الحشر: ٦] فأخبر أن ذلك للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنه لم يوجف عليه حين خلَّوه، وما تقدم فيهم من القتالِ، وقطع شجرهم فقد كانوا رجعوا عنه وانقطع ذلك الأمر، ثم قال تعالى: ﴿مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ [الحشر: ٧]، وهذا كلام غير معطوف على الأول، وكذا ﴿والذين تبوّءوا الدار والإيمان﴾ ابتداء كلام في مدحِ الأنصار والثناء عليهم، فإنهم سلموا ذلك الفيء للمهاجرين، وكأنه قال: الفَيْء للفقراء المهاجرين، والأنصار يحبون لهم لم يحسدوهم على ما صفا لهم من الفيء، وكذا ﴿والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] ابتداء كلام، والخبر ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا﴾ [الحشر: ١٠].
وقال إسماعيل بن إسحاق: إن قوله تعالى: ﴿والذين تَبَوَّءُو الدار﴾، ﴿والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] معطوف على ما قبله، وأنهم شركاء في هذا الفيء، أي: هذا المال للمهاجرين، والذين تبوَّءوا الدار والإيمان.
وقال مالك بن أوس: قرأ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ﴿إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين﴾ [التوبة: ٦٠].
ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ: ﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، فقال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ:
﴿وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ﴾ [الحشر: ٦] حتى بلغ ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾، ﴿والذين تَبَوَّءُو الدار والإيمان﴾، ﴿والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] ثم قال: لئن عشت ليأتين الراعي ب «سَرْو حمير» نصيبه منها لم يعرق جبينه.
وقيل: إنه دعا للمهاجرين والأنصار واستبشارهم بما فتح الله عليه من ذلك، وقال لهم: تبينوا الأمر وتدبروه ثم اغدوا عليَّ ففكر في ليلته، فتبين له أن هذه الآيات في ذلك أنزلت فلما غدوا عليه، قال: قد مررت البارحة بالآيات التي في سورة «الحشر» وتلا: ﴿مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى﴾ [الحشر: ٧] إلى قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ فلما بلغ قوله: ﴿أولئك هُمُ الصادقون﴾ قال: ما هي لهؤلاء فقط، وتلا قوله: ﴿والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] إلى قوله ﴿رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: ١٠] ثم قال: ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك.
فصل
روى مالك بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: لولا من يأتي من آخر النَّاس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خيبر.